للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا جاءَهُ إشارة إلى أنهم لم يتلعثموا في التكذيب وقت أن سمعوه ولم يستعملوا التدبر التفكر فيما يجب أن يستعمل فيه التأني والتثبت. وهذا أيضا نوع من الظلم بل ظلم مضموم إلى ظلم. وفي قوله أَلَيْسَ معنيان بعد كون الاستفهام للتقرير. فإن أريد نفي الحال فمعناه ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حتى اجترءوا على مثل هذه الجرأة؟ وإن أريد نفي الاستقبال فالمراد ألا يثوون في جهنم وقد افتروا على الله وكذبوا بالحق؟ وقيل: هو من الكلام المنصف لأنه قدم مقدمة هي أنه لا أظلم من المفتري وهو المتنبئ ومن الذي كذب النبي. ثم ذكر أن جهنم مقام الكافر سواء كان هو المتنبئ أو المكذب للنبي فهو كقوله وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤] ثم ختم السورة بآية جامعة فيها تسلية قلوب المؤمنين والمراد أن من جاهد النفس أو الشيطان الجني والإنسي فِينا أي في حقنا ومن أجل رضانا خالصا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سبيل الجنة أو سبيل الخير بإعطاء مزيد الألطاف والتوفيق. وقيل: والذين جاهدوا فيما علموا ولم يقصروا في العمل به لنهدينهم إلى ما لم يعلموا وهو قريب من قول الحكيم: إن النظر في المقدمات يعد النفس لقبول الفيض وهو النتيجة من واهب الصور الجسمانية والعقلية. وقوله وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ أي بالنصر والإعانة إشارة إلى مرتبة أعلى من الاستدلال وهو الذي يسمى العلم اللدني، فكأنه تعالى أشار في خاتمة السورة إلى الفرق الثلاث. فأشار إلى الناقصين بقوله وَمَنْ أَظْلَمُ وذلك أنهم صرفوا الاستعداد في غير ما خلق لأجله، وإلى المتوسطين الذين يحصلون العلم بالكد بقوله وَالَّذِينَ جاهَدُوا وإلى أصحاب الحدس وصفاء الضمير بقوله وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ والله أعلم بمراده.

[التأويل:]

وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ بالله لأن عقولهم مؤيدة بأنوار العلم اللدني إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ الذين ينظرون بنور الله فان النور لا يرى إلا بالنور اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ فيه أن التلاوة والعمل به يجب أن يتقارنا حتى يتخلق بخلق القرآن ويحصل الانتهاء عن الفحشاء وهي طلب الدنيا. والمنكر وهو الالتفات إلى غير الله.

فإن لم تكن الصلاة متصفة بذلك فهي كلا صلاة. وَلَذِكْرُ اللَّهِ في إزالة مرض القلب أَكْبَرُ من تلاوة القرآن وإقامة الصلاة، لأن القلب لا يطمئن إلا بذكر الله، وعند الاطمئنان توجد سلامة القلب. فالذكر له خاصية الإكسير في جعل الإبريز ذهبا خالصا. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ من استعمال مفتاح الشريعة وآداب الطريقة لفتح أبواب طلسم الوجود المجازي والوصول إلى الكنز الخفي وَلا تُجادِلُوا يا أرباب القلوب أهل العلم الظاهر إلا بطريق الإنصاف والرفق إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا بمزيد الإنكار والعناد فحينئذ لا تجادلوهم إذ لا يرجى منهم قبول الحق والإذعان له، فخلوا بينهم وبين باطلهم وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا من

<<  <  ج: ص:  >  >>