العلوم الباطنة وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من العلوم الظاهرة وَكَذلِكَ أي كما أنزلنا الدلائل والبراهين العقلية على أهل الظاهر أنزلنا عليكم الكشوف والمعارف فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وهم أرباب القلوب يصدقون به، وَمِنْ هؤُلاءِ العلماء الظاهريين من يؤمن به وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الذين يشترون الحق بالباطل وَما كُنْتَ تَتْلُوا وفيه أن القلب إذا كان خاليا عن النقوش الفاسدة كان أقبل للعلوم اللدنية كقلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني أن قلوب الخواص خزائن الغيب.
سأل موسى عليه السلام: إلهي أين أطلبك؟ فقال: أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي.
ثم أشار بقوله وَما يَجْحَدُ إلى أن الحرمان من الرؤية من خصوصية الرين ولهذا قالوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ وذلك لعمى عيون قلوبهم. ثم أشار إلى ظلومية الإنسان وجهوليته بأنه يستعجل بالعذاب مع عدم صبره عليه وَإِنَّ جَهَنَّمَ الحرص وغيره من الأخلاق الذميمة لَمُحِيطَةٌ بهم من فوقهم وهو الكبر والغضب وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وهو الحرص والشره والشهوة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ لأنهم نائمون فإذا ماتوا انتبهوا يا عِبادِيَ
أن أرض حضرة جلالي واسِعَةٌ
فهاجروا بالخروج من حبس وجودكم إلى سرادقات هويتي كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ بالاضطرار فارجعوا إلينا بالاختيار لنبوئنكم من جنة الوصال غرفا من المعارف تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أنهار الحكمة الَّذِينَ صَبَرُوا في البداية على حبس النفس بالفطام عن المرام، وفي الوسط على تجرع القلب كاسات التقدير من غير تعبير، وفي النهاية صبروا على بذل الروح لنيل الفتوح وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ شخص كالدابة لا تَحْمِلُ النظر عن رِزْقَهَا لضعف نفسها عن التوكل اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ أيها الطالبون للمشاهدات والمكاشفات لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لأن كلهم قالوا في الأزل: بلى عند خطاب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] والفرق إثبات الشريك ونفيه وذلك لعدم إصابة النور المرشش وإصابة دليله قوله اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ بإصابته النور وَيَقْدِرُ بأخطائه إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ باستحقاق كل فريق من نزل من سماء الروحانية ماء الإيمان فأحيا به أرض القلوب لَهِيَ الْحَيَوانُ لأن جميع أجزائها حي
فقد ورد في الحديث «إن الجنة وما فيها من الأشجار والأثمار والغرف والحيطان والأنهار حتى ترابها وحصباؤها كلها حي»
قلت: ولعل ذلك لبقاء كل منها على كماله الآخر. ثم بين بقوله فَإِذا رَكِبُوا أن إخلاص المؤمن ثابت وإخلاص الكافر مضطرب ثم بين أن حرم القلب آمن وما حوله من صفات النفس ومشاهدة ربها مظنة تصرف الشيطان، فمن افترى على الله بأن لا يكون له مع الله وقت وحال ويظهر ذلك من نفسه، أو كذب طريقة أهل الحق جاهدوا فينا يخرج منه مجاهدة الرهبانيين والفلاسفة والبراهمة ونحوهم لأنهم مرتاضون رياء وكسلا.