مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ أي بكلمات المبتدعة ومقالات أهل الطبيعة إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ لأنهم بخصوصية العبودية تخلصوا عن رق الكونين وتعلق العالمين وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا في تربيتهم وتهيئة صلاح أحوالهم. رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ فلك الشريعة في بحر الحقيقة لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ جذبة العناية فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلى بر الوصول والوصال أَعْرَضْتُمْ بحجب العجب ورؤية الأعمال حاصِباً من مطر القهر قاصِفاً من ريح الابتلاء ببليات البدع والأهواء فَيُغْرِقَكُمْ في بحر الشهوات وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بالكرامات البدنية العامة للمؤمن والكافر وهي تخمير طينته بيده وتصويره في الرحم بنفسه، وبالكرامات الروحانية العامة وهي أن نفخ فيه من روحه وشرفه بخطاب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وأنطقه بجواب بَلى وأولده على الفطرة وأرسل الرسل وأنزل الكتب، وبالكرامات الروحانية الخاصة من النبوة والولاية والهداية والجذبة كما قال: وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي عبرنا بهم من بر البشرية وبحري الروحانية إلى ساحل الربانية وَرَزَقْناهُمْ مِنَ طيبات المواهب ونوال الكشوف وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ أي على الملائكة لأنهم الخلق الكثير من مخلوقات الله. وبيان تفضيله حسن استعداده في قبول فيض نور الله بلا واسطة وهو المراد بالأمانة في قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [الأحزاب: ٧٢] نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ من الدنيا والآخرة وغير هما فيقال: يا أهل الدنيا ويا أهل الآخرة ويا أهل الله فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فيه إشارة إلى أن أهل الله لا يؤتون كتابهم كما لا يحاسبون حسابهم، وأهل الشمال يؤتون الكتاب ولكنهم لا يقدرون على القراءة لأنهم عمي والقراءة تحتاج إلى الإبصار بالأبصار وبالبصائر والله أعلم.