للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتُلُوكَ

إشارة إلى رأي أبي جهل. وقوله أَوْ يُخْرِجُوكَ أي من مكة إشارة إلى رأي هشام. وأنكر القاضي حديث إبليس في القصة وتصويره نفسه بصورة الإنس. قال: لأن ذلك التغيير إن كان بفعل الله فهو إعانة للكفار على المكر، وإن كان من فعل إبليس فلذلك لا يليق بحكمة الله تعالى لأن إقدار إبليس على تغيير صورة نفسه إعانة له على الإغواء والتلبيس. هذا ما حكى عن القاضي وذهب عليه أن هذا الاعتراض وارد على خلق إبليس نفسه وعلى خلق سائر أسباب الشرور والآثام وقد أجبنا عن أمثال ذلك مرارا، وقد عرفت تفسير المكر في سورة آل عمران. والحاصل أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد والله نصره وقواه فضاع فعلهم وظهر صنع الله. فإن قيل: لا خير في مكرهم فكيف قال والله أنه خير الماكرين؟ وأجيب بأن المراد أقوى الماكرين، أو المراد أنه لو قدر في مكرهم خير لكان الخير في مكره أكثر، أو المراد أنه في نفسه خير.

[التأويل:]

إن شر من دب في الوجود هم الصُّمُّ عن استماع كلام الحق. يسمع القلب والقبول الْبُكْمُ عن كلام الحق والكلام مع الحق. والأصم لا بد أن يكون أبكم فلذلك خصا بالذكر الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ أنهم لماذا خلقوا فلا جرم يؤل حالهم من أن يكونوا خير البرية إلى أن يكونوا شرّ الدواب اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ إنه تعالى يطلب بالمحجة من العبد الإجابة كما يطلب العبد للحاجة منه الإجابة، فالاستجابة لله إجابة الأرواح للشهود وإجابة القلوب للشواهد، وإجابة الأسرار للمشاهدة، وإجابة الخفي للفناء في الله، والاستجابة للرسول بالمتابعة لما يحييكم يفنيكم عنكم ويبقيكم به وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بسطوات أنوار جماله وجلاله بين مرآة قلبه وظلمة أوصاف قالبه وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ بالفناء عنكم والبقاء به وَاتَّقُوا أيها الواصلون فتنة ابتلاء النفوس بحظوظها الدنيوية والأخروية. لا تصيب النفوس الظالمة فقط بل تصيب ظلمتها الأرواح النورانية والقلوب الربانية فتجتذبها من حظائر القدس ورياض الأنس إلى حضائض صفات الإنس وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ يعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عند الالتفات إلى ما سواه وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ أيها الأرواح والقلوب قَلِيلٌ لم ينشأ بعد لكما الصفات الأخلاق الروحانية مُسْتَضْعَفُونَ من غلبات صفات النفس لإعواز التربية بألبان آداب الطريقة ولانعدام جريان أحكام الشريعة عليكم إلى أوان البلوغ. يخافون أن تسلبكم النفوس وصفاتها والشيطان وأعوانه فَآواكُمْ إلى حظائر القدس وَأَيَّدَكُمْ بالواردات الربانية وَرَزَقَكُمْ المواهب الطاهرة من لوث الحدوث. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني الأرواح والقلوب المنوّرة بنور الإيمان المستسعدة بسعادات العرفان لا تَخُونُوا اللَّهَ فيما آتاكم من المواهب

<<  <  ج: ص:  >  >>