يصح منها التخاصم. وقيل: إن هذا التخاطب بين العصاة والشياطين إذ سووهم برب العالمين. والمراد بالمجرمين على التفسيرين الرؤساء والكبراء. وعن السدي: الأولون الذين سنوا الشرك. وعن ابن جريج: إبليس وقابيل لأنه سن القتل وأنواع المعاصي: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ خالص يهمه ما يهمنا وفيه نفي الشفعاء والصديق رأسا أو نفي للذين كانوا عدّوهم شفعاء وأصدقاء من الأصنام والرؤساء، أو نفي للانتفاع بهم قصدوا بنفيهم ما يتعلق بهم من الفائدة، فكل عديم النفع حكمه حكم المعدوم. قال جار الله: إنما جمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء لأجل الخشية عادة، ولكن الصديق الصادق أعز من الكبريت الأحمر حتى زعم بعض الحكماء أنه اسم لا معنى له. وجوز أن يكون الصديق في معنى الجمع والكرة الرجعة إلى الدنيا «ولو» في معنى التمني. وقوله فَنَكُونَ جواب التمني أو عطف في المعنى على كَرَّةً أي ليت لنا كرة فإن نكون، وعلى هذا جاز أن تكون «لو» على أصل الشرط والجواب محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت. ثم بين أن فيما كره من قصة إبراهيم عليه السلام لآية لمن يريد أن يستدل بذلك وما كان أكثر قوم إبراهيم بمؤمنين.
القصة الثالثة قصة نوح. ولا ريب أن نبأه عظيم فقد كان يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ومع ذلك لم يزد قومه إلا التكذيب. والقوم مؤنث بدليل قوله كَذَّبَتْ وكان أمينا فيهم مشهورا كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش. وكرر قوله فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ تأكيدا وتقريرا في النفوس مع أنه علق كل واحد بسبب وهو الأمانة في الأول وقطع الطمع في الثاني نظيره قول الرجل لغيره: ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيرا؟ ألا تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيرا؟ وقدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته لأن تقوى الله علة طاعته. قوله وَما عِلْمِي يريد أيّ شيء علمي ومعناه انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم لله عز وجل واطلاعه على باطنهم ومكنون ضميرهم كأنهم طعنوا في إيمانهم أيضا فذكر أن حسابهم على الله وأنه لم يبعث إلا للنذارة. ويجوز أن يكون فسر لهم الرذالة بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد فبنى جوابه على ذلك وقال: ما علمي إلا اعتبار الظاهر والله يتولى السرائر.
وفي قوله لَوْ تَشْعُرُونَ إشارة إلى أنهم لا يصدقون بالحساب والجزاء، وفيه إنكار أن يسمى المؤمن رذلا وإن كان أفقر الناس وأوضعهم فالغني غني الدين والنسب نسب التقوى.
رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ليس إخبارا لأنه علام الغيوب وإنما هو تمهيد مقدمة لطلب الفتح والحكومة. والفلك المشحون المملوء من كل زوجين اثنين مع نوح وأهله.
[التأويل:]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ القلب إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ وهو الروح وما يتولد