للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن الإيمان كان منافيا لحالهم. قال ابن عباس والسدي: فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بسبب تكذيبهم يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم أقروا باللسان كرها وأضمروا التكذيب. وقال الزجاج: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات بما كذبوا به من قبل رؤية تلك المعجزات. وعن مجاهد: فما كانوا ليؤمنوا لو أحييناهم بعد الإهلاك ورددناهم إلى دار التكليف بما كذبوا من قبل كقوله وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام: ٢٨] وقيل: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما كذبوا من قبل مجيئهم.

وقيل: ما كانوا ليؤمنوا في الزمان المستقبل بما كذبوا به في الزمان الماضي أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إلى أن ماتوا مصرين لم ينجع فيهم تكرير المواعظ وتتابع الآيات كَذلِكَ أي مثل ذلك الطبع الشديد يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ الذي كتب أن لا يؤمنوا أبدا. والطبع والختم والرين والكنان والغشاوة والصد والمنع واحد كما سلف. وقال الجبائي: هو أن يسم قلوب الكفار بسمات وعلامات تعرف الملائكة بها أن صاحبها لا يؤمن.

وقال الكعبي: إنما أضاف الطبع إلى نفسه لأجل أن القوم إنما صاروا إلى ذلك الكفر عند أمره وامتحانه فهو كقوله تعالى فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نوح: ٦] ثم شرح حال المكلفين فقال وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ والضمير للناس على الإطلاق. قال ابن عباس: يعني بالعهد قوله للذر أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] أقروا به ثم خالفوا. عن ابن مسعود هو الإيمان كقوله إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [مريم: ٨٧] يعني من قال لا إله إلا الله.

وقيل: العهد عبارة عن الأدلة على التوحيد والنبوّة والمراد الوفاء بالعهد وَإِنْ وَجَدْنا هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة في قوله لَفاسِقِينَ وقد عملت في ضمير شأن مقدر والتقدير: وإن الشأن والحديث علمنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والآية اعتراض.

ويحتمل أن يعود الضمير على الأمم المذكورين كانوا إذا عاهدوا الله في ضرر ومخافة لئن أنجيتنا لنؤمنن نكثوه بعد كشف الضر.

[التأويل:]

إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ الوفي يتضرع إليه عند البلاء ويتوكل عليه والعدوّ يذهل عن الحق ولا يرجع إليه وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى يعني صفات النفس آمَنُوا بما يرد إلى صفات القلب والروح من ألطاف الحق وَاتَّقَوْا مشتبهات النفس لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ أسباب العواطف من سماء الروح وأرض القلب فَأَخَذْناهُمْ عاقبناهم بعذاب البعد بما كسبوا من مخالفات الحق وموافقات الطبع بَياتاً في صور القهر ضُحًى في صورة اللطف بسطوات الجذبات وَهُمْ يَلْعَبُونَ يشتغلون بالدنيا. إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ من أهل القهر هم الذين خسروا سعادة الدارين من أهل اللطف هم

<<  <  ج: ص:  >  >>