للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولى. وفي الآية دلالة على أن السعيد لا ينقلب شقيا وبالعكس، لأنها دلت على أن الأرواح قسمان: منها ما تكون في أصل جوهرها طاهرة نقية مستعدة لأن تعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ومنها ما تكون بالضد لا تقبل المعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة كالأرض السبخة التي لا يتولد فيها الأشجار والأنهار والثمار. ومما يقوّي هذا الكلام أن النفوس نراها مختلفة في الصفات فمنها مجبولة على حب الإلهيات منصرفة عن اللذات الجسمانيات كقوله تعالى: تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [المائدة: ٨٣] لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: ٢٧٣] ومنها قاسية قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، ومنها مائلة إلى الشهوة دون الغضب، ومنها على العكس، ومنها راغبة في المال دون الجاه، ومنها بالخلاف ومن الراغبين في المال من يرغب في العقار دون الأثمان والنقود، ومنهم من هو بالعكس. ومما يؤكد هذه المعاني قوله سبحانه وتعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِ أي بتيسيره وهو في موضع الحال كأنه قيل: يخرج نباته حسنا كاملا لوقوعه في طباق نَكِداً والنكد الذي لا خير فيه. وتقدير الآية ونبات البلد الخبيث لا يخرج، أو البلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكدا فحذف المضاف الذي هو النبات وأقيم المضاف إليه وهو الضمير الراجع إلى البلد مقامه فانقلب مرفوعا مستكنا بعد أن كان مجرورا بارزا. من قرأ نَكِداً بفتح الكاف فعلى المصدر أي ذا نكد كَذلِكَ مثل ذلك التصريف نردّد الآيات ونكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله لأن فائدة التصريف تعود عليهم وإنما ختم الآية بالحث على الشكر لأن الذي سبق ذكره هو أن الله تعالى يرسل الرياح النافعة فيجعلها سببا للمطر الذي هو سبب الملاذ والطيبات فهذا يدل من أحد الوجهين على وجود الصانع وقدرته، ومن الوجه الثاني على عظيم نعمته وقدرته فوجب من هذا الوجه مقابلتها بالشكر والله أعلم.

[التأويل:]

عرّف ذاته للخلق بصفات الهوية والألوهية والقادرية والخالقية والمدبرية والحكيمية والاستوائية فقال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الآية وإنما خص ستة أيام لأن أنواع المخلوقات ستة: الأوّل الأرواح الإنسانية (ب) الملكوتيات منها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات والأرض ومنها العقول المفردة والمركبة. (ج) النفوس السماوية الأرضية.

(د) الأجرام البسيطة العلوية كالعرش والكرسي والسموات والجنة والنار. (هـ) الأجسام البسيطة السفلية وهي العناصر، والأجسام الكثيفة المركبة من العناصر، فلما خلق الأنواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف في العالم وما فيه. وخص العرش بالاستواء لأنه مبدأ الأجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحماني. والاستواء كالعلم صفة من صفاته لا يشبه استواء المخلوقين كما أن علمه لا يشبه علم المخلوقين. ومن أسرار

<<  <  ج: ص:  >  >>