للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما عملت وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يرجع إلى كل نفس على المعنى لأنه في معنى كل الناس كما تقول: ثلاثة أنفس تريد ثلاثة أناسي.

روي أن أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله على رؤوس الإشهاد ثم يأمر بهم إلى النار.

[التأويل:]

سَتُغْلَبُونَ إشارة إلى أن المبتلى بالكفر مغلوب الحكم الأزلي بالشقاوة رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا [المؤمنون: ١٠٦] ثم مغلوب الهوى والنفس والشيطان ولذات الدنيا. فبغلبات النفس والهوى يرد إلى أسفل سافلي الطبيعة فيعيش فيها ثم يموت على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه في قعر جهنم وبئس المهاد، مهاد مهده في معاشه. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا إن لله تعالى فئتين في الظاهر من المؤمن والكافر، وفئتين في الباطن من القلب وصفاته والنفس وصفاتها الذميمة، ولهما الحرب والالتقاء على الدوام وهو الجهاد الأكبر وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ من القلب وجنوده وهم الروح والسر والأوصاف الحميدة والملائكة، ومن النفس وأعوانها وهم الهوى والدنيا والأوصاف الذميمة والشياطين ثم أخبر عن جنود الفئتين وأعوان الفرقتين بقوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ. واعلم أن الله خلق الخلق على طبقات ثلاث: العوام ويعبر عنهم بلفظ الناس والغالب عليهم الهوى وهم أصحاب النفوس، والخواص ويعبر عنهم بلفظ المؤمن وهم أرباب الأرواح والغالب عليهم التقوى، وخواص الخواص ويذكرهم بلفظ الولي أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: ٦٢] والغالب فيهم المحبة والشوق. ثم إن لجهنم سبع دركات محفوفة بالشهوات. فأشار بالنساء إلى شهوة الفرج، وبالبنين إلى شهوة الطبيعة الحيوانية المائلة إلى الولد، وبالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلى شهوة الحرص على المال، وبالخيل المسوّمة إلى شهوة الجاه والخيلاء بالركوب عليها، وبالأنعام إلى شهوة الجمال والاقتناء وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النحل: ٦] وبالحرث إلى شهوة الحكم والرياسة على الرعايا وأهل القرى. ثم ذكر درجات الجنات الثمانية للخواص منها التقوى للذين اتقوا والرضا بالقضاء وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ والإيمان رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار بالأسحار هذه جنات عاجلة تجري من تحتها الأنهار الألطاف والواردات. والأزواج المطهرة الأخلاق الفاضلة التي تتولد منها، فإذا عاش في الجنات مات وحشر كذلك. ثم أشار إلى أحوال خواص الخواص مستورة من نظر الخواص محفوظة عن فهم العوام بقوله: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ما احلولى لهم الدنيا يا دنيا مري على أوليائي ولا وقفوا عند جنة المأوى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: ١٧] وإنما طلبوا قرب المولى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى [يونس: ٢٦] شَهِدَ اللَّهُ بكلامه

<<  <  ج: ص:  >  >>