للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتوارث بعضهم بعضا. وفيه أن المشركين واليهود والنصارى لما اشتركوا في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم صارت هذه الجهة موجبة لانضمام بعضهم إلى بعض وقرب بعضهم من بعض وإن كان كل واحد منهم في نهاية الإنكار لصاحبه وذلك من أدل الدلائل أن تلك العداوة ليست لأجل الدين ولكنها محض الحسد والعناد، ومن جعل الولاية في هذه الآيات بمعنى الإرث استدل بذلك على أن الكفار في التوارث على اختلاف مللهم كأهل ملة واحدة، فالمجوسي يرث الوثني، والنصراني يرث المجوسي، واليهودي يرث النصراني وبالعكس. ثم قال إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي ما أمرتكم به من موالاة المسلمين المهاجرين ومن عدم موالاة غير المهاجرين إلا في حالة الاستنصار ومن عدم موالاة الكفرة أصلا تَكُنْ فِتْنَةٌ أي تحصل مفاسد عظيمة فِي الْأَرْضِ من تفرق الكلمة واختلاط المؤمن بالكافر

ووقوع الهرج والمرج. ثم كرر تعظيما لشأن المؤمنين وثناء عليهم قوله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا الآية. فوصفهم بأنهم هم المؤمنون حقا ولَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وقد تقدم تفسير مثله في أول السورة. والحاصل أن هذه السعادات العالية إنما حصلت لهم لأنهم أعرضوا عن اللذات الجسمانية فتركوا الأهل والوطن وبذلوا النفس والمال، وفيه تنبيه على أنه لا طريق إلى تحصيل السعادات إلا بالإعراض عن هذه الجسمانيات. ثم وصف اللاحقين بالهجرة بعد السابقين إليها فقال وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ نقل الواحدي عن ابن عباس: أن المراد بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية. وقيل: بعد نزول الآية. وقيل: بعد يوم بدر والأصح أن المراد والذين هاجروا بعد الهجرة الأولى فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ألحقهم بالأولين تشريفا للآخرين وتعظيما لشأن السابقين، ولولا كون القسم الأول أشرف لما صح هذا الإلحاق. ثم ختم الكلام بقوله وَأُولُوا الْأَرْحامِ أي ذوو القرابات بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ أي أحق بهم وأجدر فِي كِتابِ اللَّهِ أي في حكمه وقسمته أو في اللوح أو في القرآن وهو آية المواريث. وهذه الآية ناسخة عند الأكثرين للتوراث بالهجرة والنصرة، أما الذين فسروا تلك الولاية بالنصرة والمحبة والتعظيم فإنهم قالوا: لما كانت تلك الولاية مخالفة للولاية بسبب الميراث بيّن الله تعالى في هذه الآية أن ولاية الإرث إنما تحصل بسبب القرابة فيكون المقصود من هذا الكلام إزالة ذلك الوهم أعني إزالة وهم من يجعل الولاية بمعنى الإرث. وقد تمسك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام وهم ذوو قرابة ليست بسبب فرض ولا عصوبة أو كل قريب يخرج عن أصحاب الفروض والعصبات وإنهم عشرة أصناف: الجد أو الأم وكل جد وجدة ساقطين، وأولاد البنات، وبنات الإخوة، وأولاد الأخوات، وبنو الإخوة للأم والعم للأم،

<<  <  ج: ص:  >  >>