للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعارضة بالحروف إلى المقارعة بالسيوف. ثم بين أن الآيات التي يقترحونها لا فائدة لهم فيها لأنهم أعتى من الأمم السالفة وأنهم ما آمنوا عند مجيء الآيات المقترحة فأهلكوا لأجل ذلك أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ مع شدة شكيمتهم فيه معنى الإنكار أي لا يؤمنون البتة وحينئذ يجب إهلاكهم، ولكن قد سبق القول من الله أن هذه الأمة أمنوا من عذاب الاستئصال.

ثم أجاب عن شبهتهم الأولى وهي قولهم هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ بقوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا وقد مر مثله في آخر سورة يوسف وفي النحل. وإنما جاز الأمر بالرجوع إلى أهل الكتاب وإن كانوا من الكفرة، لأن هذا الخبر قد تواتر عندهم وبلغ حد الضرورة على أن أهل الكتاب كانوا يتابعون المشركين في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان قولهم عندهم حجة. وقيل: أهل الذكر أهل القرآن. وضعف بأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يؤمرون بالرجوع إلى قولهم؟ واستدل كثير من الفقهاء بالآية في أن للعاميّ أن يرجع إلى فتيا العلماء، وللمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر وأجيب بأنها خطاب مشافهة وارد في الواقعة المخصوصة، وفي السؤال عن أهل الكتاب فلا يتعدى عن مورد النص وقد مر في آخر سورة يوسف الفرق بين قوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ وقوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ بغير «من» وليس إلا هاهنا وفي أوائل الفرقان وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ [الآية: ٢٠] ثم أكد كون الرسل من جنس البشر بقوله وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً الآية كأنهم قالوا: إنه بشر يأكل كما نأكل ويموت كما نموت، فلعلهم اعتقدوا خلود الملائكة لا أقل من العمر الطويل، ولا بد من تقدير مضاف محذوف أي وما جعلنا الأنبياء قبلك ذوي جسد غير طاعمين وإلا قيل: وما جعلنا لهم جسدا. ووحد الجسد لإرادة الجنس أي ذوي ضرب من الأجساد وأراد كل واحد منهم قوله: صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ أصله في الوعد فنصب بنزع الخافض، ثم فسر الوعد بقوله فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وهم المؤمنون، ثم نبههم على عظيم نعمه عليهم بقوله، لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي شرفكم وصيتكم، أو فيه بيان مكارم الأخلاق التي بها يبقى الذكر الجميل مع الثواب الجزيل، ثم أوعدهم وحذرهم ما جرى على الأمم المكذبة فقال وَكَمْ قَصَمْنا والقصم القطع الكبير وهو الذي يبين تلاؤم الأجزاء، وإذا لم يبين فهو الفصم بالفاء، وذلك أن القاف حرف شديد والفاء رخو لوحظ جانب المعنى في اللفظ ومعنى مِنْ قَرْيَةٍ من أهل قرية لقوله وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ وللضمائر في قوله فَلَمَّا أَحَسُّوا إلى آخر القصة. والمراد بالإحساس الإدراك بحاسة اللمس أو علم لا شك فيه كالمحسوس المشاهد. والركض ضرب الدابة بالرجل كأنهم ركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين من قريتهم حين أدركتهم مقدمة العذاب، قال الجوهري:

<<  <  ج: ص:  >  >>