الكلبي: استسلم العابد والمعبود وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة من الشركاء والأنداد. وقال آخرون: الضمير للذين ظلموا. وإلقاء السلم والاستسلام لأمر الله بعد الإباء في الدنيا وَضَلَّ أي غاب عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من أن لله شريكا أو أن آلهتهم تشفع لهم حين كذبوهم وتبرأوا منهم.
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قيل: معناه الصد عن المسجد الحرام والأصح العموم زِدْناهُمْ عَذاباً لأجل الإضلال. فَوْقَ الْعَذابِ الذي استحقوه للضلال. وأيضا عذاب الاستنان
«من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها» .
ومن المفسرين من فصل تلك الزيادة فعن ابن عباس: هي خمسة أنهار من نار تسيل من تحت العرش يعذبون بها، ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار. وقيل: حيات أمثال البخت وعقارب أشباه البغال أنيابها كالنخل الطوال تلسع إحداهن اللسعة فيجد صاحبها حمتها أربعين خريفا. وقيل: يخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة برده إلى النار.
ثم علل زيادة عذابهم بكونهم مفسدين أمور الناس بالصد والإضلال فيعلم منه أن من دعا إلى الدين القويم باليد واللسان فإنه يزيده الله تعالى أجرا على أجر. ثم أعاد حكاية بعث الشهداء لما نيط بها من زيادة فائدتين: إحداهما كون الشهداء من أنفسهم لأن كل نبي فهو من جنس أمته، والأخرى أن الشهيد يكون وقتئذ في الأمة لا مفارقا إياهم. وفسر الأصم الشهيد في هذه الآية بأنه تعالى ينطق عشرة من أعضاء الإنسان حتى تشهد عليه وهن:
الأذنان والعينان والرجلان واليدان والجلد واللسان. ولهذا ذكر لفظة «في» ووصف الشهيد بكونه من أنفسهم. ثم شرف نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ أي على أمتك. ولا ريب أن في تخصيصه بعد التعميم دلالة على فضله نظيره قوله في سورة النساء: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] .
قال الإمام فخر الدين الرازي: الأمة عبارة عن القرن والجماعة فيلعم من الآية أنه لا بد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم ويكونون شهداء على غيرهم وهم أهل الحل والعقد فيكون إجماعهم حجة. ولقائل أن يقول: الأمة في الآية هي الجماعة الذين بعث النبي إليهم وإلى من سيوجد منهم إلى آخر زمان دينه، فيكون نبي تلك الأمة وحده شهيدا عليهم. ولا دلالة للآية إلا على هذا القدر فمن أين حصل لك أن إجماع أهل الحل والعقد في كل عصر حجة؟ ثم بين أنه أزاح علتهم فيما كلفوا فيه فلا حجة لهم ولا معذرة فقال:
وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ أي بيانا له والتاء للمبالغة ونظيره من المصادر «التلقاء» ولم يأت غيرهما وقد مر في «الأعراف» . قال الفقهاء: إنما كان القرآن بيان جميع