للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباد؟ وأجيب بعد تسليم اختصاص العباد بالعقلاء بأن ذلك ورد على معتقدهم أنها عقلاء.

وفيه أيضا نوع من الاستهزاء أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم ولا فضل لهم عليكم فلم قبلتموها آلهة لكم وأربابا؟. ثم بين عدم التفاضل بقوله فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنها آلهة ولام الأمر للتعجيز فإنه إذا ظهر لكل عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ظهر أنها لا تصلح للعبودية وأنها والعباد سواء بل هم أخس وأدون بدليل قوله أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها الآية. وذلك أن كل ما هو من شأنه أن يكون له هذه الأعضاء والآلات فإذا كان فيها قوي محركة ومدركة كان هو أفضل ممن خلت أعضاؤه عن هذه القوى فكيف يليق بالأفضل الأكرم الأشرف خدمة المفضول الخسيس الدنيء؟ وإنما قلنا كل ما من شأنه أن يكون له هذه الأعضاء لأن من جل عن ثبوت هذه الأعضاء والجوارح له فعدم هذه الأشياء بالنسبة إليه فضيلة وكمال، فإن القادر القاهر من غير افتقار إلى آلة وعدّة كان أشرف ممن يفتقر في أفعاله إلى الآلات فضلا عمن لا فعل لآلته، فلا يرد اعتراض بعض أغمار المشبهة أن الله تعالى لو لم تكن له هذه الأعضاء لكان عدمها دليلا على عدم إلهيته.

ثم إنهم كانوا يخوّفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بآلهتهم كما قال قوم هود إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود: ٥٤] فقال عز من قائل لنبيه قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ أمر من الكيد المكر فَلا تُنْظِرُونِ نهي عن الإنظار والإمهال والخطاب لهم ولشركائهم جميعا. وهذا قول واثق بعصمة الله أن لا يبالي بغير الله كائنا من كان. ثم لما أمره صلى الله عليه وسلم بالتبري حثه على التولي فقال إِنَّ وَلِيِّيَ أي ناصري عليكم اللَّهُ الآية. وفيه أن الواجب على كل عامل عبادة الذي يتولى تحصيل منافع الدارين. أما الدينية الأخروية فبسبب إنزال الكتاب المشتمل على العلوم الجمة، وأما الدنيوية فهو المراد بقوله وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ أي من عباده أن ينصرهم فلا يضرهم عداوة من عاداهم في ذلك يأس المشركين أن يضره كيدهم. يحكى أن عمر بن عبد العزيز كان لا يدخر لأولاده شيئا فقيل له في ذلك فقال: إما أن يكون ولدي من الصالحين فوليه الله ولا حاجة له إلى مالي، وإما أن يكون من المجرمين وقد قال تعالى فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ومن رده الله لم أشتغل بإصلاح مهماته. أقول: وفي التقريب بالآية الثانية نظر لأنها حكاية كلام موسى اللهم إلا أن يقال التقريب في التقرير. ثم أعاد وصف الأصنام بمثل الصفات المذكورة فقال وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الآية. قال الواحدي: إنما أعيد هذا المعنى لأن الأول مذكور على جهة التقريع وهذا مذكور على جهة الفرق بين من يجوز له العبادة وبين من لا

<<  <  ج: ص:  >  >>