قوله: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ نوع آخر من القبائح وكانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله. قال الإمام فخر الدين الرازي: أظن أن ذلك لأن الملائكة يستترون عن العيون كالنساء، ومنه إطلاق التأنيث على الشمس لاستتارها عن أن تدرك بالأبصار لضوئها الباهر ونورها القاهر. سُبْحانَهُ تنزيه لذاته عن نسبة الولد إليه أو تعجب من قولهم.
ومحل «ما» في قوله وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ إما الرفع على الابتداء، أو النصب أي وجعلوا لهم ما يشتهون يعني البنين. وأبي الزجاج جواز النصب وقال: لأن العرب لا تقول جعل له كذا وهو يعني نفسه وإنما تقول جعل لنفسه كذا. فلو كان منصوبا لقيل: و «لأنفسهم ما يشتهون» . ثم ذكر غاية كراهتهم للإناث التي جعلوها لله تعالى فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ أي صار مُسْوَدًّا ويحتمل أن يكون استعمل «ظل» لأن وضع الحمل يتفق بالليل غالبا فيظل نهاره مسود الوجه وَهُوَ كَظِيمٌ مملوء غما وحزنا وغيظا على المرأة. قال أهل المعاني: جعل اسوداد الوجه كناية عن الغم والكآبة لأن الإنسان إذا قوي فرحه انبسط الروح من قلبه ووصل إلى الأطراف ولا سيما إلى الوجه لما بين القلب والدماغ من التعلق الشديد فاستنار الوجه وأشرق، وإذا قوي غمه انحصر الروح في داخل القلب ولم يبق منه أثر قويّ على الوجه فيتربد الوجه لذلك ويصفر أو يسود يَتَوارى يستخفي مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ من أجل سوء المبشر به ولم يظهر أياما يحدث نفسه ويدبر فيها ماذا يصنع بها وذلك قوله: أَيُمْسِكُهُ أي يحبسه عَلى هُونٍ ذل وهوان. والظاهر أن هذا صفة المولود أي يمسكها على هوان منه لها. وقال عطاء عن ابن عباس: إنه صفة الأب أي يمسكها مع الرضا بهوان نفسه أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أي بيده.
والدس إخفاء الشيء في الشيء. وإنما ذكر الضمير في يُمْسِكُهُ ويَدُسُّهُ باعتبار ما بشر به. كانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها إلى أن تموت، ومنهم من يرميها من شاهق جبل، ومنهم من يغرقها، ومنها من يذبحها. وكانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية، وأخرى خوفا من الفقر والفاقة ولزوم النفقة.
روي أن رجلا قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما أجد حلاوة الإسلام وقد كانت لي في الجاهلية ابنة وأمرت امرأتي أن تزينها وأخرجتها، فلما انتهيت إلى واد بعيد القعر ألقيتها فقالت: يا أبتي قتلتني. فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء. فقال صلى الله عليه وسلم: ما في الجاهلية فقد هدمه الإسلام وما في الإسلام يهدمه الاستغفار.
ولا ريب أن الأنثى التي هذا محلها عندهم كانت في غاية الكراهية والتنفير ومع ذلك أثبتوها لله المتعالي عن الصاحبة والولد فلذلك قال: أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ولهذا يقدمون على القتل والإيذاء مَثَلُ السَّوْءِ وصفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث ووأدهن خشية