للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ قال جار الله: يجوز أن يكون الخطاب في قوله: وَما بِكُمْ عاما، ويريد بالفريق فريق الكفرة وأن الخطاب للمشركين ومِنْكُمْ للبيان لا للتبعيض كأنه قال: فإذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [لقمان: ٣٢] أقول: وأظهر الوجهين الأول والمعنى أن فريقا منكم يبقى على ما كان عليه عند الضر في أن لا يفزع إلا إلى الله، وفريقا يتغير عن حاله فيشرك بالله، ولعل هذه صفة لازمة لجوهر الإنسان ولهذا قال: لِيَكْفُرُوا كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة، ويجوز أن تكون لام العاقبة يعني عاقبة تلك التضرعات ما كانت إلا هذا الكفران. والمراد بقوله: بِما آتَيْناهُمْ

كشف الضر وإزالة المكروه، أو القرآن والشرائع، أو جميع النعم الظاهرة والباطنة التي أنعم الله بها على الإنسان. ثم قال على سبيل التهديد وبطريقة الالتفات نظرا إلى أوّل الكلام فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة كفركم ومثله في «الروم» كما سيجيء، وأما في «العنكبوت» فإنه قال: لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا [الآية: ٦٦] بالعطف على القياس. ثم حكى نوعا آخر من قبائح أعمال بني آدم فقال وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ الضمير الأوّل للمشركين والثاني قيل لهم وقيل للأصنام التي لا توصف بالعلم والشعور، ورجح الأوّل بأن نفي العلم عن الحي حقيقة وعن الجماد مجاز، وبأن جمع السلامة بالعقلاء أليق، وقد يرجح الثاني بأن الأوّل يفتقر إلى الإضمار كما لو قيل: ويجعلون لما لا يعلمون في طاعته نفعا ولا في الإعراض عنه ضرا. وقال مجاهد: يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم نَصِيباً أو ويجعلون لما لا يعلمون إلاهيتها، أو السبب في صيرورتها معبودة. والمراد بجعل النصيب ما مر في «الأنعام» في قوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً [الأنعام: ١٣٦] وقيل: البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. عن الحسن: وقيل هم المنجمون الذين يوزعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة فيقولون لزحل كذا وكذا من المعادن والنبات والحيوان، وللمشتري كذا إلى آخر الكواكب. ثم أوعدهم الله بقوله: تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ على الله من أن له شريكا وأن الأصنام أهل للتقرب إليها مع أنه لا شعور لها بشيء أصلا، أو المراد بالافتراء قولهم هذا حلال وهذا حرام من غير إذن شرعي، أو قولهم أن لغير الله تأثيرا في هذا العالم. ومتى يكون هذا السؤال؟ قيل: عند القرب من الموت ومعاينة ملائكة العذاب، وقيل: في القبر. والأقرب أنه في الآخرة وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة كقوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:

٩٢] في الأمم عامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>