موضع الجميع موضع الواحد في التمييز كما مر في قوله: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً [الأعراف: ١٦٠] قوله: وَازْدَادُوا تِسْعاً أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه دون أن يقول «ولبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين» . فعن الزجاج المراد ثلاثمائة بحساب السنين الشمسية وثلاثمائة وتسع بالسنين القمرية وهذا شيء تقريبي. وقيل: إنهم لما استكملوا ثلاثمائة سنة قرب أمرهم من الانتباه. ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين، ثم أكد قوله: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا بقوله: لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ليس لغيره ما خفى فيهما من أحوالهما وأحوال سكانهما وهو مختص بذلك. ثم زاد في المبالغة فجاء بما دل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات. والضمير في قوله:
ما لَهُمْ لأهل السموات والأرض. وفيه بيان لكمال قدرته وأن الكل تحت قهره وتسخيره وأنه لا يتولى أمورهم غيره وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ وقضائه قبل أصحاب الكهف أَحَداً منهم. ومن قرأ لا نُشْرِكَ على النهي فهو معطوف على لا تَقُولَنَّ والمراد أنه لا يسأل أحدا عما أخبره الله به من نبأ أصحاب الكهف. واقتصر على بيانه. وقيل: الضمير في مالهم لأصحاب الكهف أي أنه هو الذي حفظهم في ذلك النوم الطويل وتولى أمرهم.
وقيل: ليس للمختلفين في مدة لبثهم من دون الله من يتولى أمورهم فكيف يعلمون هذه الواقعة من دون إعلامه؟! وقيل: فيه نوع تهديد لأنهم لما ذكروا في هذا الباب أقوالا على خلاف قول الله فقد استوجبوا العقاب فبين الله تعالى أنه: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ يمنع العقاب عنهم. واعلم أن الناس اختلفوا في زمان لبث أصحاب الكهف في مكانهم فقيل:
كانوا قبل موسى عليه السلام وأنه ذكرهم في التوراة فلهذا سألت اليهود ما سألوا. وقيل:
دخلوا الكهف قبل المسيح وأخبروه بخبرهم ثم لبثوا في الوقت الذي بين عيسى ومحمد عليهما السلام. وحكى القفال عن محمد بن إسحق أنهم دخلوا كهفهم بعد عيسى. وقيل:
إنهم لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة. وذكر أبو علي بن سينا في باب الزمان من كتاب الشفاء إن أرسطاطاليس الحكيم زعم أنه عرض لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف ثم قال أبو علي: ويدل التاريخ على أنهم كانوا قبل أصحاب الكهف. وأما المكان فحكى القفال عن محمد بن موسى الخوارزمي المنجم أن الواثق أنفذه إلى ملك الروم ليعرف أحوال أصحاب الكهف، فوجهه مع طائفة إلى ذلك الموضع قال: وإن الرجل الموكل بذلك المقام فزعني من الدخول عليهم، فدخلت فرأيت الشعور على صدورهم فعرفت أنه تمويه واحتيال وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة الحافظة لأبدان الموتى عن البلى كالصبر وغيره. قلت: حين لم يملأ الخوارزمي