إلا وقد بعث الله فيهم رسولا يأمرهم بالخير الذي هو عبادة الله وينهاهم عن الشر الذي هو طاعة الطاغوت. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ لأنه من أهل اللطف، ومنهم من ثبت عليه الخذلان لأنه عرفه مصمما على الكفر، أو المراد منهم من حكم الله عليه بالاهتداء ومنهم من صار محكوما عليه بالضلال لظهور ضلاله، أو منهم من هداه الله إلى الجنة ومنهم من أضله عنها. فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ما فعلت بالمكذبين حتى لا يبقى لكم شبهة في أني لا أقدر الشر ولا أشاؤه. ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيمانهم وعرفه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة، وأنه لا يلطف بمن يخذل لأنه عبث والله تعالى متعال عن العبث. فهذا تفسير الفريقين لاشتمال آيات مسألة الجبر والقدر على الجهتين وعليك الاختيار بعقلك دون هواك. الشبهة الرابعة قدحهم في الحشر والنشر ليلزم إبطال النبوة وذلك أنهم وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي أغلاظ الأيمان كما في «المائدة» كأنهم ادّعوا علما ضروريا بأن الشيء إذا فني وصار عدما محضا فإنه لا يعود بعينه بل العائد يكون شيئا آخر فأكدوا ادعاءهم بالقسم الغليظ فأجاب الله عن شبهتهم بقوله: بَلى وهو إثبات لما بعد النفي أي بلى يبعثهم وقوله: وَعْداً مصدر مؤكد لما دل عليه «بلى» لأن يبعث موعد من الله تعالى أي وعد البعث وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا لا خلاف فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنهم يبعثون أو أن وعد الله حق. ثم ذكر لمية حقية البعث فقال لِيُبَيِّنَ أي يبعث كل من يموت من المؤمنين والكافرين ليبين لَهُمُ الحق الذي اختلفوا فيه بيانا عيانيا لا يشتبه فيه المطيع بالعاصي والمحق بالمبطل والمظلوم بالظالم والصادق بالكاذب. وجوز بعضهم أن يكون قوله: لِيُبَيِّنَ متعلقا بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنا أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا به وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب في ادعاء الشريك له وفي قولهم بمجرد هواهم هذا حلال الله وهذا حرام.
ثم برهن على إمكان البعث بقوله: إِنَّما قَوْلُنا وهو مبتدأ خبره أَنْ نَقُولَ وقد فسرنا مثل هذه الآية في سورة البقرة، وذكرنا فيه مباحث عميقة لفظية ومعنوية فلا حاجة إلى الإعادة. والغرض أنه سبحانه لا مانع له من الإيجاد والإعدام ولا تتوقف آثار قدرته إلا على مجرد الإرادة والمشيئة، فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو أهون من الإبداء؟! قال في الكشاف: قرىء فَيَكُونُ بالنصب عطفا على نَقُولَ قلت: ولا مانع من كونه منصوبا بإضمار «أن» لوقوعه في جواب الأمر بعد الفاء وقد مر في «البقرة» . احتج بعض الأشاعرة بالآية على قدم القرآن قال: إنه لو كان حادثا لافتقر إلى أن يقال له «كن» . ثم الكلام في هذا اللفظ كالكلام في الأوّل وتسلسل، والجواب بعد تسليم أن هذا ليس مثلا وأن ثم قولا