للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: هل ينظرون في تصديق نبوتك لَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ

شاهدين بذلك. ويحتمل أن يقال: إنهم لما طعنوا في القرآن بأنه أساطير الأولين أوعدهم الله تعالى بما أوعد، ثم وصف القرآن بكونه حقا وصدقا وذكر جزاء المتقين، ثم ذكر أن أولئك الكفار لا ينزجرون عن كفرهم بسبب البيانات التي ذكرناها إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد أو لقبض الأرواح أو أتاهم أمر ربك وهو العذاب المستأصل أو القيامةذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

فأصابهم الهلاك المعجل ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ

بتدميرهم فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا أي جزاء سيئات أعمالهم أو هو من باب الطباق والمشاكلة كقوله وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: ٤٠] وَحاقَ بِهِمْ. أي نزل بهم على وجه الإحاطة عقاب استهزائهم. الشبهة الثالثة لمنكري النبوة أنهم تشبثوا بمسألة الجبر فقالوا:

لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا الآية. وقد مر في تفسير مثلها في آخر سورة الأنعام، وذكرنا أسرار المتشابه هناك وكذا استدلال المعتزلة بها وجواب الأشاعرة عنها. وزاد بعض الأشاعرة فقالوا: إن المشركين ذكروا هذا الكلام على جهة الاستهزاء كما قال قوم شعيب إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود: ٨٧] ولو قالوا ذلك معتقدين كانوا مؤمنين. وقال آخرون:

إنه سبحانه أجاب عن شبهتهم وهي أنه لما كان الكل من الله كان بعثه الأنبياء عبثا بقوله:

لِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

يعني أنهم اعترضوا على أحكام الله وطلبوا لها العلة فعل من تقدمهم من الكفرة فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي ما عليهم إلا التبليغ فإما تحصيل الإيمان فليس إليهم. ثم إنه أكد هذا المعنى بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا إلى قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ وفيه دلالة على أن أمر الله قد لا يوافق إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ولا يريد الهداية إلا للبعض إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد ولم ينزل العذاب على قوم لكنه كفر ونزل لقوله: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل: ٣٦] .

ثم خصص الخطاب قائلا لرسوله إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ لا يرشد أحدا أضله، قال ابن عباس: وقال الفراء: لا يهدي معناه لا يهتدي. ومن قرأ على البناء للمفعول فمعناه لا تقدر أنت ولا أحد على هداية من أضله الله فلن يكون مهديا منصورا، ولا يخفى أن أول الآية ظاهره يوافق مذهب المعتزلة. أما قوله: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

إلى آخر الآيات فإنهم قد صاروا فيه إلى التأويل فقالوا: معناه أن متقدميهم أشركوا وحرموا حلال الله فلما نبهوا على قبح فعلهم أسندوه إلى الله فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا أن يبلغوا الحق وأن الله بريء من الظلم وخلق القبائح والمنكرات، وما من أمة

<<  <  ج: ص:  >  >>