الأصلي من هذا الكتاب الكريم وهو جذب القلوب والإسرار بذكر ما يدل على التوحيد والكبرياء،
عن ابن عمر قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكت وأطالت ثم قالت: كل أمره عجب. أتاني في ليلتي فدخل في لحافي، حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال: يا عائشة، هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي؟ فقلت: يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك. فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء، ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه، ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض. فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له: يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا؟. ثم قال: وما لي لا أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.
وعن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
واعلم أنه ذكر في سورة البقرة أن في خلق السموات والأرض إلى أن عد ثمانية دلائل، وهاهنا اقتصر منها على الثلاثة الأول تنبيها على أن العارف بعد استكمال المعرفة لا بد له من تقليل الدلائل ليكمل له الاستغراق في معرفة المدلول، فإن البصيرة إذا التفتت إلى معقول عسر عليها الالتفات إلى آخر كالبصر إذا حدّق إلى مرئي امتنع تحديقه نحو آخر، وإليه الإشارة بقوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: ١٢] يعني المقدمتين اللتين وصلت بهما الى النتيجة وهو وادي قدس الوحدانية. وإنما وقع الاقتصار على الدلائل السماوية لأنها أقهر وأبهر، والعجائب فيها أكثر، وانتقال النفس منها إلى عظمة الله أيسر. وإنما قال في تلك السورة لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: ١٦٤] وفي هذه السورة لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ لأن العقل له ظاهر ولب، ففي أول الأمر يكون عقلا وفي كمال الحال يكون لبا. وباقي التفسير قد مر هناك. ثم بعد دلائل الإلهية ذكر وظائف العبودية وهي أن يكون باللسان وسائر الأركان وبالجنان مع الرحمن. فقوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إشارة إلى عبودية اللسان. وقوله: قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وهو في موضع حال آخر أي معتمدين على الجنب إشارة إلى عبودية سائر الجوارح والأركان.
والمراد أنهم ذاكرون في أغلب أحوالهم كما
قال صلى الله عليه وسلم «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله»«١» .
وقيل: المراد بالذكر هاهنا الصلاة أي يصلون في حال القيام فإن عجزوا