والأخوات وذلك قوله: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ واتفقوا على أن واحدا من الإخوة أو الأخوات لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس، واتفقوا على أن ثلاثة منهم يحجبون لكن الاثنين مختلف فيهما. فالأكثرون من الصحابة ذهبوا إلى إثبات الحجب بهما كما في الثلاثة بناء على أن الاثنين جمع لوجود التعدد في التثنية فما فوقها، فصح أن يتناول الإخوة للأخوين واستقراء باب الميراث يؤيد ذلك، فإنه جعل نصيب البنتين الثلثين مثل نصيب البنات وكذلك للأختين والأخوات. وذكر الشيخ الكامل محيي الدين بن العربي في الفتوحات أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن خلاف الأئمة في أن أقل الجمع اثنان أو ثلاثة، فعلمه أن أقل الجمع في الشفع اثنان وفي الوتر ثلاثة.
وقال صلى الله عليه وسلم:«الاثنان فما فوقهما جماعة»«١»
وقد احتج ابن عباس بذلك على عثمان فقال: كيف تردّها إلى السدس بالأخوين وليسا بإخوة؟ فقال عثمان: لا أستطيع رد شيء كان قبلي ومضى في البلدان.
فأشار إلى إجماعهم قبل أن يظهر ابن عباس الخلاف. ثم إن الاثنين أو الثلاثة إذا حجبوا الأم عن السدس، فذلك السدس يكون لهم حتى يبقى للأب الثلثان، أو لا يكون لهم شيء من الميراث ويكون خمسة الأسداس للأب. ذهب ابن عباس إلى الأوّل، وذهب الجمهور إلى الثاني إذ لا يلزم من كون الشخص حاجبا كونه وارثا ولم يرد لهم ذكر إلا بالحجب فوجب أن يبقى المال بعد حصول هذا الحجب على ملك الأبوين. ثم ذكر أن هذه الأنصباء إنما تدفع إلى هؤلاء من بعد وصية يوصى بها أو دين. حتى لو استغرق الدين كل مال الميت لم يكن للورثة فيه حق. وإذا لم يكن أو كان لكنه قضى وفضل بعده شيء. فإن أوصى الميت وصية أخرجت من ثلث ما فضل ثم قسم الباقي ميراثا على فرائض الله تعالى.
عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إنكم لتقرؤن الوصية قبل الدين وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.
والمراد أنه لا عبرة بالتقديم في الذكر لأن كلمة أولا تفيد الترتيب البتة، وإنما استفيد الترتيب من السنة عكس الترتيب في اللفظ. وفائدة هذا العكس أن الوصية تشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، فكان أداؤها مظنة التفريط بخلاف الدين، فإن نفوس الورثة مطمئنة إلى أدائه فكان في تقديمها ترغيب لهم في أدائها، ولهذا جيء بكلمة أو دلالة على التسوية بينهما في الوجوب، ولأن كل مال ليس يحصل فيه الأمران فجيء بأو الفاصلة ليدل على أنه إن كان أحدهما فالميراث بعده، وكذلك إن كان كلاهما فالوصية تشبه الدين من جهة أن سهام أهل المواريث معتبرة بعد كل منهما. ولكنها تفارق الدين من جهة
(١) رواه البخاري في كتاب الأذان باب ٣٥. النسائي في كتاب الإمامة باب ٤٣- ٤٥. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب ٤٤. أحمد في مسنده (٥/ ٢٥٤، ٢٦٩) .