إلى أيهما أريد، وجاز إسناده إليهما أيضا. تقول: من كان له أخ أو أخت فليصله أو فليصلها. والترجيح بالتذكير للشرف معارض بالتأنيث للقرب. وإن قلت: فليصلهما جاز أيضا. ولعل التوحيد والتذكير في الآية أولى إما لأن الرجال في الأحكام أصل والنساء تبع لهم، وإما بتأويل أحد المذكورين. ثم إن المفسرين أجمعوا على أن المراد من الأخ والأخت هاهنا الأخ والأخت من الأم، ويدل عليه ما نسب إلى أبيّ وسعد بن أبي وقاص:
وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما أي من الأخ والأخت السُّدُسُ من غير مفاضلة الذكر على الأنثى. هذا على الاحتمال الأوّل وهو أن الرجل مورث منه. وأما على الاحتمال الثاني وهو أن الرجل وارث فالضمير عائد إلى الرجل وإلى واحد من أخيه أو أخته. والمعنى مثل الأوّل، لأنك إذا قلت السدس له أو لواحد من الأخ أو الأخت على التخيير فقد سوّيت بين الذكر والأنثى. ثم قال فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ فبيّن أن نصيبهم كيفما كانوا لا يزداد على الثلث. وقد يسند الإجماع إلى هذا بيانه أنه قال في آخر السورة قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء: ١٧٦] وأثبت للأختين الثلثين وللإخوة كل المال، وهاهنا أثبت للإخوة، والأخوات السدس عند الانفراد، والثلث عند الاجتماع، فعلم أن المراد من الإخوة والأخوات هاهنا غير المراد من الإخوة والأخوات في تلك الآية. فالمراد هاهنا الإخوة والأخوات من الأم وهم الأخياف، وهناك الإخوة والأخوات من الأب والأم وهم الأعيان، أو من الأب وهم أولاد العلات. فالكلالة وإن كانت عامة لمن عدا الوالد والولد إلا أنها في الآية خاصة كما بيننا. غَيْرَ مُضَارٍّ حال أي يوصي بها وهو غير مضارّ لورثته. ومن قرأ يُوصِي مبنيا للمفعول فعامل الحال محذوف يدل عليه المذكور أي يوصى إذا علم أن ثمة موصيا والضمير فيه وهو ذو الحال يعود إلى رجل على تقدير أنه المورث، أو إلى الميت الدال عليه سياق الكلام أي إن كان الرجل وارثا وضرار الورثة بأن يوصي بأزيد من الثلث أو بالثلث فما دونه ونيته مضارة الورثة ومغاضبتهم وقطع الميراث عنهم لا وجه الله. وقد يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه، أو يبيع شيئا بثمن بخس، أو يشتري شيئا بثمن غال، كل ذلك لئلا يصل المال إلى الورثة. قال العلماء: الأولى بالإنسان أن ينظر في قدر ما يخلف ومن يخلف، ثم يجعل وصيته بحسب ذلك فإن كان في المال قلة وفي الورثة كثرة لم يوص، وإن كان بالعكس أوصى على قانون العدالة. وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس: أن الإضرار في الوصية من الكبائر.
ويروى مرفوعا وعن شهر بن حوشب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة فإذا أوصى وحاف في وصيته ختم له بشر عمله فيدخل النار. وإن الرجل