للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاتها من حيث إنه مشعر بأنها قد أتت بفاحشة وقبض على مالها فهو بهتان من وجه وظلم من وجه آخر. وقيل: المراد عقاب البهتان والإثم كقوله: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً [النساء: ١٠] ثم عجب من الأخذ مستفهما فقال: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ عن ابن عباس ومجاهد والسدي واختاره الزجاج وابن قتيبه وإليه ذهب الشافعي أن المراد بالإفضاء الجماع إذ الفضاء الساحة ويقال: أفضيت إذا خرجت إلى الفضاء. وهذا المعنى إنما يحصل في الحقيقة عند الجماع. وقيل: الإفضاء أن يخلو بها وإن لم يجامعها وهو قول الكلبي واختاره الفراء، ويوافقه مذهب أبي حنيفة أن الخلوة الصحيحة تقرر المهر.

ورجح مذهب الشافعي بأن الكلام ورد في معرض التعجب وهو إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قريبا في حصول الألفة والمودّة وذلك هو الجماع لا مجرد الخلوة، وأيضا الإفضاء لا بد أن يكون مفسرا بفعل ينتهي منه إليها لأن كلمة «إلى» لانتهاء الغاية، ومجرد الخلوة ليس كذلك إذا لم يحصل فعل من أفعال أحدهما إلى الآخرة. فإن قيل: على هذا يجب أن يكون التلامس والاضطجاع في لحاف واحد كافيا في تحقيق الإفضاء، وأنتم لا تقولون به؟

فالجواب أنه باطل بالإجماع إذ القائل قائلان: قائل بتفسير الإفضاء بالجماع، وقائل بتفسيره بمجرد الخلوة. وأيضا الشرع قد علق تقرر المهر بتحقيق الإفضاء، وقد اشتبه معناه أنه الخلوة أو الجماع فوجب الرجوع إلى ما قبل زمان الخلوة. ومقتضى ذلك عدم تقرر المهر.

ثم أكد المنع من استرداد المهر بقوله: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً قال السدي وعكرمة والفراء: هو قولكم زوّجتك هذه المرأة على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ومعلوم أنه إذا ألجأها إلى أن بذلت المهر فقد سرحها بالإساءة. وقال ابن عباس ومجاهد: الميثاق الغليظ كلمة النكاح المعقودة على الصداق وإليها أشار

في الحديث «واستحللتم فروجهن بكلمة الله» «١»

وقال آخرون: أخذن منكم بسبب إفضاء بعضكم إلى بعض ميثاقا غليظا وصفه بالغلظ لقوّته فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ النوع الخامس من التكاليف المتعلقة بأمور النساء قوله: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ قال ابن عباس وجمهور المفسرين: كان أهل الجاهلية يتزوجون بأزواج آبائهم فنهوا عن ذلك. وهاهنا مسألة خلافية قال أبو حنيفة: يحرم على الرجل أن يتزوج بمزنية أبيه. وقال الشافعي: لا يحرم. حجة أبي حنيفة أن النكاح عبارة عن الوطء لقوله: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠] وبالاتفاق


(١) رواه مسلم في كتاب الحج حديث ١٤٧. أبو داود في كتاب المناسك باب ٥٦. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٨٤. الدارمي في كتاب المناسك باب ٣٤. أحمد في مسنده (٥/ ٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>