للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم النكاح قالوا: المراد أنه إذا كان المهر مقدّرا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئا أو تبرّئه عنه بالكلية كقوله: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء: ٤] وقال الزجاج: لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها أو يهب الزوج للمرأة تمام المهر، إذا طلّقها قبل الدخول. قال أبو حنيفة: إلحاق الزيادة بالصداق جائز لأنّ التراضي قد يقع على الزيادة وقد يقع على النقصان وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها، أما إذا طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة وكان لها نصف المسمى في العقد. وقال الشافعي: الزيادة بمنزلة الهبة. فإن أقبضها ملكته بالقبض وإن لم يقبضها بطلت، والدليل على بطلان هذه الزيادة أنها لو التحقت بالأصل فإما أن ترفع العقد الأول وتحدث عقدا ثانيا وهو باطل بالإجماع، وإما أن تحصل عقدا مع بقاء العقد الأول وهو تحصيل الحاصل. والذين حملوا الآية على حكم المتعة قالوا: المراد أنه ليس للرجل سبيل على المرأة من بعد الفريضة وهي المقدار المفروض من الأجر والأجل، فإن قال لها زيدي في الأيام وأزيد في الأجر فهي بالخيار. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً لا يشرع الأحكام إلّا على وفق الحكمة والصواب.

ثم وسع الأمر على عبادة فقال: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا فضلا في المال وسعة ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه كما أن القصر قصور فيه ونقصان. وأَنْ يَنْكِحَ متعلق ب طَوْلًا يقال: طال على الأمر إذا غلبه فتمكن من فعله. والمحصنات هاهنا الحرائر، والمعنى ومن لم يقدر على نكاح الحرة فلينكح من الإماء التي ملكتها أيمانكم. قال ابن عباس: يريد جارية أخيك فإنّ الإنسان لا يجوز له أن يتزوّج بجارية نفسه والفتيات المملوكات. تقول العرب للأمة فتاة وللعبد فتى.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم عبدي ولكن ليقل فتاي وفتاتي» «١»

وقال الشافعي: إنّ الله تعالى شرط في نكاح الإماء ثلاث شرائط: اثنتان في الناكح الأولى فقد طول الحرة وهو عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة كما يقول الرجل: لا أستطيع أن أحج إذا كان لا يجد ما يحج به. فإذا كان كذلك جاز له التزوّج بالأمة لأنّ العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة ساداتهن. والثانية خشية العنت كما يجيء في آخر الآية. والثالثة في المنكوحة وهي أن تكون الأمة لمسلم ومع ذلك تكون مؤمنة لا كافرة لقوله: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ فالقيد الأول مستفاد من قوله: مِنْ فَتَياتِكُمُ أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين، والقيد الثاني من وصف الفتيات بالمؤمنات. أما فائدة القيد الأول فهي أن الولد تابع


(١) رواه مسلم في كتاب الألفاظ حديث ١٤. أحمد في مسنده (٢/ ٤٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>