للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحنث في يمينه. فعند زوال الرق عنها وهي حرة عاقلة بالغة يتوقف جواز نكاحها على إذن وليها، وإذا ثبت الحكم في هذه الصورة ثبت في سائر الصور ضرورة أنه لا قائل بالفرق.

واعترض على قول الشافعي بأنّ ظاهر الآية يدل على الاكتفاء بحصول إذن أهلها وعنده لا يجوز للمرأة أن تزوّج أمتها. وأجيب بأن المراد بالإذن الرضا، وعندنا أن رضا المولى لا بد منه. فإما أنه كاف فليس في الآية دليل عليه، وأيضا إن أهلهن عبارة عمن يقدر على إنكاحهن وهو المولى إن كان رجلا أو ولي المولى إن كان امرأة. سلمنا أن الأهل هو المولى لكنه عام يخصصه

قوله صلى الله عليه وسلم: «العاهر هي التي تنكح نفسها» «١»

إذ يلزمه أن لا يكون لها عبارة في نكاح مملوكها ضرورة أنه لا قائل بالفرق. قلت: الإنصاف أن استدلال الشافعي لا يتم. فلقائل أن يقول: لا نسلم أن صفة الرق للأمة عرضية من حيث إنها أمة، وإن سلمنا ذلك فلا نسلم أن الإشارة إلى ذات الأمة في الآية تبقى بعد زوال صفة الرق.

فكونها مثل قول القائل لا أتكلم مع هذا الشاب ممنوع. فمن المعلوم عرفا أن المراد به ذات الشاب من حيث هو ولكنه كقول الحالف: لا أكلم شابا. فحينئذ لو كلّم زيدا وزيد شاب حنث فإذا صار شيخا ثم كلمه لم يحنث. وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن وفيه دلالة على وجوب مهرها إذا نكحها- سمى لها المهر أو لم يسم- وفي قوله: بِالْمَعْرُوفِ دلالة على أنه مبني على الاجتهاد وغالب الظن في المعتاد المتعارف وهو مهر المثل، أو المراد بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء. وقيل: الأجور النفقة عليهن لأن المهر مقدر فلا معنى لاشتراط المعروف فيه فكأنه تعالى بيّن أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حق الحرة إذا حصلت التخلية من المولى بينه وبينها على العادة. وعن بعض أصحاب مالك أنّ الأمة هي المستحقة لقبض مهرها، وأنّ المولى إذا آجرها للخدمة كان هو المستحق للأجرة دونها واحتجوا في المهر بظاهر قوله: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وأما الجمهور فعلى أن مهرها لمولاها لقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [النحل: ٧٥] وهذا ينفي كون المملوكة مالكة لشيء أصلا، ولأنّ منافعها كانت مملوكة للسيد وقد أباحها للزوج بعقد النكاح فوجب أن يستحق بدلها. أما ظاهر الآية فلو حملنا لفظ الأجور على النفقة فلا إشكال، ولو حملناه على المهور فالجواب أنها ثمن أبضاعهن فلذلك أضيف الأجور إليهن. وليس في قوله: وَآتُوهُنَّ ما يوجب كون المهر ملكا لهن. وهب أن المهر ملك لهن

ولكنه صلى الله عليه وسلم قال: «العبد وما يملكه لمولاه»

أو المراد وآتوا مواليهن فحذف المضاف مُحْصَناتٍ قال ابن عباس: أي عفائف وهو حال من قوله:


(١)
رواه الترمذي في كتاب النكاح باب ١٥. بلفظ «البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بيّنة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>