للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحمه وعظمه ما يصدّه ذلك عن دينه.

وأيضا كأن العبد يقول: الأحباب يدعونني إلى طريق، والأعداء إلى طريق ثان، والشيطان إلى ثالث. وكذا القول في الشهوة والغضب والاعتقادات والآراء، والعقل ضعيف، والعمر قصير، والقضاء عسير، فاهدني هذا الطريق السوي الذي لا أزيغ به. حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه كان يسير إلى بيت الله، فإذا أعرابي على ناقة له. فقال: يا شيخ إلى أين؟ فقال: إلى بيت الله. قال: كأنك مجنون، لا أرى لك مركبا ولا زادا والسفر طويل! فقال إبراهيم: إن لي مراكب كثيرة ولكنك لا تراها. قال: وما هي؟ قال: إذا نزلت عليّ بلية ركبت مركب الصبر، وإذا أسديت إليّ نعمة ركبت مركب الشكر، وإذا ألم بي القضاء ركبت مركب الرضا، وإذا دعتني النفس إلى شيء علمت أن ما بقي من العمر أقل مما مضى. فقال الأعرابي: سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الراجل.

وقيل: الصراط القرآن أو الإسلام وليس بشيء، إذ يصير المعنى اهدنا صراط المتقدمين، مع أنه لم يكن لهم قرآن ولا إسلام، اللهم إلا أن يراد أصول هذه الشريعة وقوانينها كما قال فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] .

وعن علي كرم الله وجهه: ثبتنا على الهداية كقوله رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [آل عمران: ٨]

فكم من عالم يزل ومهتد يضل. وفي اختيار لفظ الصراط دون الطريق أو السبيل، تذكير للصراط الذي هو الجسر الممدود بين طرفي جهنم، سهل الله تعالى علينا عبوره ووروده.

الثانية: إنما قبل «اهدنا» بلفظ الجمع لأن الدعاء متى كان أعم كان إلى الإجابة أقرب، ولهذا قال بعض العلماء لتلميذه: إذا قلت قبل القراءة «رضي الله عنك، وعن جماعة المسلمين» فإياك وأن تنساني في قولك «وعن جماعة المسلمين» فإن ذلك أوقع عندي من قولك «رضي الله عنك» ، لأن هذا تخصيص بالدعاء ويجوز أن لا يقبل، وأما قولك «وعن المسلمين» فإنه أرجى لأنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة، وإذا أجاب الله دعاء في البعض فهو أكرم من أن يرده في الباقي. ومن هنا

ورد في السنة أن يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل كل دعاء وبعده

، لأن الدعاء في الطرفين مستجاب البتة لأنه في حق النبي صلّى الله عليه وسلّم فيستجاب الوسط بتبعية ذلك لا محالة. وأيضا

قال صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها» .

قالوا: يا رسول الله، ومن لنا بتلك الألسنة؟ قال: يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك» وأيضا «الحمد لله» شامل لحمد جميع الحامدين، و «إياك نعبد» لعبادة الجميع، «وإياك نستعين» لاستعانة الكل، فلا جرم لما طلب الهداية طلبها للكل كما طلب الاقتداء بالصالحين جميعا في قوله: «صراط الذين أنعمت عليهم» والفرار من الطالحين جميعا في قوله: «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» . وإذا كان كذلك في الدنيا

<<  <  ج: ص:  >  >>