أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله وأسلم. فجاء جبريل عليه السلام وقال: ما دام هذا البيت كان المفتاح والسدانة في أولاد عثمان وقال: خذوها يا بني طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلّا ظالم. ثم إنّ عثمان هاجر ودفع المفتاح إلى أخيه شيبة وهو اليوم في أيديهم.
ثم نزول الآية عند هذه القصة لا يوجب خصوصها بها ولكنها تعم جميع أنواع الأمانات. فأولها الأمانة مع الرب تعالى في كل ما أمر به ونهى عنه. قال ابن مسعود: الأمانة في الكل لازمة، في الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم. وعن ابن عمر أنه تعالى خلق فرج الإنسان وقال هذا أمانة خبأتها عندك فاحفظها إلّا بحقها وهذا باب واسع. فأمانة اللسان أن لا يستعمله في الكذب والغيبة والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها، وأمانة العين أن لا يستعمله في النظر إلى الحرام، وأمانة السمع أن لا يستعمله في سماع الملاهي والمناهي والفحش والأكاذيب، وكذا القول في سائر الأعضاء. ثم الأمانة مع سائر الخلق ويدخل فيه رد الودائع وترك التطفيف ونشر عيوب الناس وإفشاء أسرارهم، ويدخل فيه عدل الأمراء مع الرعية والعلماء مع العوام بأن يرشدوهم إلى ما ينفعهم في دنياهم ودينهم ويمنعوهم عن العقائد الباطلة والأخلاق غير الفاضلة، وتشمل أمانة الزوجة للزوج في ماله وفي بضعها، وأمانة الزوج للزوجة في إيفاء حقوقها وحظوظها، وأمانة السيد للمملوك وبالعكس، وأمانة الجار للجار والصاحب للصاحب، ويدخل فيه نهي اليهود عن كتمان أمر محمد والأمانة مع نفسه بأن لا يختار لها إلا ما هو أنفع وأصلح في الدين وفي الدنيا، وأن لا يوقعها بسبب اللذات الفانية، في التبعات الدائمة. وقد عظم الله تعالى أمر الأمانة في مواضع من كتابه إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [الأحزاب: ٧٢] وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [المؤمنون: ٨]
وقال صلى الله عليه وسلم:«ألا لا إيمان لمن لا أمانة له»
والأمانة مصدر سمي به المفعول ولذلك جمع. ثم لما أمر بأداء ما وجب لغيرك عليك أمر باستيفاء حقوق الناس بعضهم من بعض إذا كنت بصدد الحكم فقال: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وفي قوله:
وَإِذا حَكَمْتُمْ تصريح بأنه ليس لجميع الناس أن يشرعوا في الحكم والقضاء. وقد عدّ العلماء من شروط النيابة العامة: الإسلام والعقل والبلوغ والذكورة والحرية والعدالة والكفاية وأهلية الاجتهاد بأن يعرف ما يتعلق بالأحكام من كتاب الله وسنة رسوله. ويعرف منهما العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ، ومن السنة المتواتر والآحاد والمسند والمرسل وحال الرواة، ويعرف أقاويل الصحابة ومن بعدهم إجماعا وخلافا، وجلي القياس وخفيه وصحيحه وفاسده، ويعرف لسان العرب لغة وإعرابا خصوصا وعموما إلى غير ذلك مما له مدخل في استنباط الأحكام الشرعية من مداركها ومظانها. وكفى بما في هذا المنصب من الخطر أنه منصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين