أشياء: الأول الإعراض عنهم والمراد به أنه لا يقبل منهم ذلك العذر ويستمر على السخط، أو أنه لا يهتك سترهم ولا يظهر لهم أنه عالم بكنه ما في بواطنهم من النفاق لما فيه من حسن العشرة والحذر من آثار الفتنة. الثاني أن يعظهم فيزجرهم عن النفاق بالتخويف من عذاب الدارين. الثالث قوله: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً وفيه وجوه: أحدها أن في الآية تقديما وتأخيرا. والمعنى قل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما ويستشعرون منه الخوف. الثاني وقل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا هو أن الله يعلم ما في قلوبكم فلن يغني عنكم الإخفاء، فطهروا قلوبكم عن دنس النفاق وإلا فسينزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك أو شرا من ذلك وأغلظ. الثالث قل لهم في أنفسهم خاليا بهم مسارا لهم بالنصيحة فإن النصح بين الملأ تقريع وفي السر أنفع وأنجع، قولا يؤثر فيهم. وقيل: القول البليغ يتعلق بالوعظ وهو أن يكون كلاما حسنا وجيز المباني غزير المعاني يدخل الأذن بلا إذن، مشتملا على الترغيب والترهيب والإعذار والإنذار. ثم رغب مرة أخرى في طاعة الرسول فقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ أكثر النحاة على أن «من» صلة تفيد تأكيد النفي والتقدير: وما أرسلنا رسولا.
وقيل: المفعول محذوف والتقدير: وما أرسلنا من هذا الجنس أحدا. قال الجبائي: هذه الآية من أقوى الدلائل على بطلان مذهب المجبرة لكونها صريحة في أن معصية الناس غير مرادة الله تعالى. والجواب أن إرسال الرسل لأجل الطاعة لا ينافي كون المعصية مرادة لله تعالى، على أن قوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أي بتيسيره وتوفيقه وإعانته يدل على أن الكل بقضائه وقدره، وكذا لو كان المراد بسبب إذن الله في طاعة الرسول. قيل: في الآية دلالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة فإنه لو دعا إلى شرع من قبله لكان المطاع هو ذلك المتقدم، وفيها دلالة على أن الرسل معصومون عن المعاصي وإلا لم يجب اتباعهم في جميع أقوالهم وأفعالهم. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالتحاكم إلى الطاغوت جاؤُكَ تائبين عن النفاق متنصلين عما ارتكبوا فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من رد قضاء رسوله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ انتصب شفيعا لهم إلى الله بعد اعتذارهم إليه من إيذائه برد قضائه لَوَجَدُوا اللَّهَ لعلموه تَوَّاباً رَحِيماً ولم يقل:«واستغفرت لهم» لما في الالتفات عن الخطاب إلى ذكر الرسول تنبيه على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان، فالآية على هذا التفسير من تمام ما قبلها.
وقال أبوبكر الأصم: نزلت في قوم من المنافقين اصطلحوا على كيد في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا عليه لذلك الغرض فأتاه جبريل فأخبره به فقال صلى الله عليه وسلم: إن قوما دخلوا يريدون أمرا لا ينالونه فليقوموا فليستغفروا الله حتى أستغفر لهم فلم يقوموا. فقال: ألا يقومون فلم يفعلوا فقال صلى الله عليه وسلم: قم يا فلان حتى عدّ اثني عشر رجلا منهم فقاموا وقالوا: كنا عزمنا على ما قلت