للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم أذلاء يلقون منهم أذى شديدا، فكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح. والولدان جمع ولد كخربان في خرب. وقيل: الرجال والنساء الأحرار والحرائر، والولدان العبيد والإماء لأنّ العبد والأمة يقال لهما الوليد والوليدة وجمعهما الولدان والولائد إلّا أنه خص الولدان بالذكر تغليبا كالآباء والإخوة مع إرادة الأمهات والأخوات أيضا. وعن ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين من الولدان والنساء. والظالم صفة للقرية إلّا أنه مسند إلى أهلها فتبع القرية في الإعراب، وهو مذكر لإسناده إلى الأهل. والأهل يذكر ويؤنث، ولو أنّث لا لتأنيث الموصوف بل لجواز تأنيث الأهل جاز. وإنما اشترك الولدان في الدعاء وإن كانوا غير مكلفين لأن المشركين كانوا يؤذونهم إرغاما لآبائهم، أو لأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغائرهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس، ووردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء. وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا أي كن أنت لنا وليا وناصرا وولّ علينا رجلا يوالينا ويقوم بمصالحنا. فاستجاب الله دعاءهم لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة جعل عتاب بن أسيد أميرا لهم فكان الولي هو الرسول، وكان النصير عتاب بن أسيد كما أرادوا. قال ابن عباس: كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعزّ بها من الظلمة. ثم شجع المؤمنين تشجيعا بأن أخبرهم أنهم يقاتلون في سبيل الله فهو وليّهم وناصرهم وأعداؤهم يقاتلون في سبيل غير الله وهو الطاغوت والشيطان فلا ولي لهم إلّا الشيطان وإن كيده أوهن شيء وأضعفه. والكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال.

وفائدة إدخال «كان» أن يعلم أنه منذ كان كان موصوفا بالضعف والذلة. ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وإن كانوا مدة حياتهم في غاية الخمول والفقر، وأما الملوك والجبابرة فإذا ماتوا انقرض أثرهم ولا يبقى في الدنيا رسمهم ولا ظلمهم؟

قوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ فيه قولان: الأول

أنها نزلت في المؤمنين نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود وقدامة بن مظعون وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من المشركين أذى كثيرا ويقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذن لنا في قتال هؤلاء. فيقول لهم: كفوا أيديكم عنهم فإني لم أؤمر بقتالهم. فلما هاجر إلى المدينة وأمرهم الله بقتال المشركين كرهه بعضهم وشق عليهم.

الثاني قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلّفوا عن الجهاد: لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما

<<  <  ج: ص:  >  >>