للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه على ثقة من النصر والظفر بدليل قوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] وبدليل قوله هاهنا: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وعسى من الله جزم لأن الرجاء عليه محال فهو إطماع وإطماع الكريم إيجاب فلزمه الجهاد وإن كان وحده فلا جرم

أنه صلى الله عليه وسلم قال في بدر الصغرى: «لأخرجن وحدي»

فخرج وتبعه سبعون راكبا، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده، ثم إنه تعالى كف بأس المشركين وألقى الرعب في قلوب أبي سفيان وأصحابه حتى ندموا وترك الحرب في تلك السنة. وفي الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق لأنه تعالى لم يأمره بالقتال وحده إلّا أنه كذلك. وقيل: اقتدى به أبو بكر حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة ومن عرف أن الأمر كله بيد الله وأنه لا يحدث شيء إلّا بقضاء الله سهل عليه الفوت وكان بمعزل عن تقية الموت. وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً من قريش وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا تعذيبا لأن عذاب الله دائم وعذاب غيره غير دائم، وعذاب غير الله يخلصه الله عنه وعذاب الله لا يقدر أحد على تخليصه منه، وعذاب غير الله يكون من وجه واحد وعذاب الله يصل إلى جميع الأبعاض والأجزاء ويشمل الروح والجسم فهذا طرف من الفرق والله أعلم بكنه عذابه ونعوذ بالله من عقابه.

قوله سبحانه: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً وجه نظمه يعرف من تفسيره وذلك أنه قيل:

المراد منه تحريض النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على الجهاد، لأنه إذا كان يأمرهم بالغزو فقد جعل نفسه شفيعا لهم في تحصيل الأغراض المتعلقة بالجهاد. وأيضا التحريض وهو الحث على سبيل الرفق والتلطف والتهديد جار مجرى الشفاعة. وقيل: كان بعض المنافقين يشفع لمنافق آخر فى أن يأذن له الرسول في التخلف عن الجهاد، وكان بعض المؤمنين يشفع لمؤمن آخر عند مؤمن ثالث أن يحصل له عدّة الجهاد فنزلت. ونقل الواحدي عن ابن عباس أن الشفاعة الحسنة هاهنا هي أن يشفع إيمانه بالله بقتال الكفار، والشفاعة السيئة أن يشفع كفره بالله بمحبة الكفار وترك إيذائهم. وقال مقاتل: الشفاعة إلى الله إنما هي دعوة الله المسلم لما

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك» «١»

فذلك النصيب والدعوة على المسلم بضد ذلك. وقال الحسن ومجاهد والكلبي وابن زيد: هي مطلق الشفاعة والحسنة منها هي التي بها روعي حق مسلم ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير وابتغى بها وجه الله ولم يؤخذ عليها رشوة وكانت في أمر حائز لا في حد من حدود الله ولا في إبطال حق من الحقوق، والسيئة ما كان بخلاف ذلك، وعلى هذا فوجه النظم أن التحريض على الجهاد بعث على الفعل الحسن وأنه نوع شفاعة كما مر في القول


(١) رواه الترمذي في كتاب البر باب ٥٠. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>