وعن الحسن: إن حكم الآية ثابت في كل من أقام في دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الإسلام قائما. قال المحققون: الهجرة في سبيل الله تشمل الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان، والانتقال من أعمال الكفار إلى أعمال المسلمين بل هذا أقدم وأهم
لقوله صلى الله عليه وسلم:«المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» .
فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة فحكمهم حكم سائر المشركين فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ في الحل أو في الحرم وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ في هذه الحالة وَلِيًّا يتولى شيئا من مهماتكم وَلا نَصِيراً ينصركم على أعدائكم بل جانبوهم مجانبة كلية. ثم لما أمر بقتل هؤلاء الكفار استثنى عنه موضعين: الأول إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ أي ينتهون ويتصلون إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ والمعنى أن من دخل في عهد من كان داخلا في عهدكم فهم أيضا داخلون في عهدكم. قال القفال: وقد يدخل في الآية أن يقصد قوم حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيتعذر عليهم ذلك المطلوب فيلتجئوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد إلى أن يجدوا السبيل إليه. والقوم هم الأسلميون وذلك أنه صلى الله عليه وسلم وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال. وقال ابن عباس: هم بنو بكر بن زيد مناة كانوا في الصلح.
وقال مقاتل: هم خزاعة وخزيمة. وهاهنا نكتة وهي أنه تعالى رفع السيف عمن التجأ إلى الكفار المصالحين فلأن يدفع النار عمن التجأ إلى محبة الله ومحبة رسوله كان أولى. وعن أبي عبيدة: المراد بالوصلة الانتساب. يقال: وصلت إلى فلان واتصلت به إذا انتهيت إليه.
واعترض عليه بأن أهل مكة أكثرهم كانوا متصلين بالرسول صلى الله عليه وسلم من جهة النسب مع أنه كان قد أباح دم الكفار منهم. الاستثناء الثاني قوله: أَوْ جاؤُكُمْ وفي العطف وجهان: أحدهما أن يكون معطوفا على صفة قوم والمعنى إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو إلى قوم جاؤوكم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم. وثانيهما العطف على صلة الذين كأنه قيل:
الذين يتصلون بالمعاهد أو إلى الذين لا يقاتلونكم وهذا أنسب بقوله في صفتهم فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ إلى آخر الآية. إذ بين أن كفهم عن القتال سبب استحقاقهم لنفي التعرض لهم بالاستقلال لا بواسطة الاتصال. ومعنى حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ضاقت.
والحصر الضيق والانقباض وهو في موضع الحال بإضمار «قد» بدلالة قراءة من قرأ
(١) رواه البخاري في كتاب الصيد باب ١٠. مسلم في كتاب الإمارة حديث ٨٦. الترمذي في كتاب السير باب ٣٣. النسائي في كتاب البيعة باب ١٥. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب ١٢. الدارمي في كتاب السير باب ٦٩. أحمد في مسنده (١/ ٢٢٦، ٣٥٥) .