رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان من أمري وأمر الحرث ما علمت وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته فنزلت
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أي ما صح له ولا استقام، أو ما كان له فيما أتاه من ربه وعهد إليه، أو ما كان له في شيء من الأزمنة ذلك. والغرض بيان أن حرمة القتل كانت ثابتة من أول زمان التكليف إِلَّا خَطَأً إلّا لهذا العذر وبهذا السبب فيكون مفعولا له، أو إلّا في حال الخطأ أو إلّا قتلا خطأ. قال أبو هاشم- وهو أحد رؤساء المعتزلة-: التقدير، وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيبقى مؤمنا إلا أن يقتله خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا. وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ فعليه إعتاق رَقَبَةٍ أي نسمة مؤمنة. والحر العتيق الكريم لأنّ الكرم في الأحرار كما أن اللؤم في العبيد ومنه غتاق الخيل والطير لكرامها، وحر الوجه أكرم موضع منه. وعبر عن النسمة بالرقبة كما عبر عنها بالرأس في قولهم:«فلان يملك كذا رأسا من الرقيق» . وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ الدية من الودي كالشية من الوشي. والأصل ودية وهي مخصوصة ببدل النفس دون سائر المتلفات، وقد تستعمل في بدل الأطراف والأعضاء والمراد بالأهل الورثة إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أي يتصدقوا فأدغمت التاء في الصاد. والتصدق الإعطاء والمراد هاهنا العفو ومحله النصب على الظرف أو الحال والعامل. مُسَلَّمَةٌ أو عليه كأنه قيل: يجب عليه الدية أو يسلمها إلّا زمان التصدق أو إلّا متصدقين. وهاهنا مسائل: الأولى القتل على ثلاثة أقسام: عمد وخطأ وشبه عمد. أما العمد فهو أن يقصد قتله بالسبب الذي يعلم إفضاءه إلى الموت سواء كان جارحا أو لم يكن. وأما الخطأ فضربان:
أحدهما أن يقصد رمي مشرك أو طائر فأصاب مسلما، والثاني أن يظنه مشركا بأن كان عليه شعار الكفار. فالأول خطأ في الفعل، والثاني خطأ في القصد. وأما شبه العمد فهو أن يضربه مثلا بعصا خفيفة لا تقتل غالبا فيموت منه فهذا خطأ في القتل وإن كان عمدا في الضرب. الثانية قال أبو حنيفة: القتل بالمثقل ليس بعمد محض بل هو خطأ أو شبه عمد فيكون داخلا تحت الآية فيجب في الآية والكفارة ولا يجب فيه القصاص. وقال الشافعي:
إنه عمد محض يجب فيه القصاص حجة الشافعي أنه قتل عمد عدوان أما إنه قتل فبقوله تعالى لموسى: وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ [طه: ٤٠] يعني القبطي إذ وكزه موسى فقضى عليه. وأما أنه عمد عدوان فظاهر لأن من ضرب رأس الإنسان بحجر الرحى أو صلبه أو غرقه أو خنقه ثم قال ما قصدت قتله عد ما جنا، وإذا ثبت أنه قتل عمد عدوان فهو يوجب القصاص لقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى [البقرة: ١٧٨] وأن المقصود أن شرع القصاص صون الأرواح عن الإهدار والإهدار في المثقل كهو في المحدد، والعلم الضروري حاصل بأن التفاوت في آلة الإهدار غير معتبر. حجة أبي حنيفة