وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة فأدركه الناس بالسوق فقتلوه. الوجه الثاني أنه يجوز عندنا أن يخلف الله وعيد المؤمنين فإن خلف الوعيد كرم. وضعف الوجه الأول بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبأن ما قبل الآية وما بعدها في نهي المؤمن عن قتل المؤمن فكذا هذه الآية، وبأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فيجب أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو مجرد القتل العمد، وبأن الكفر بالاستقلال موجب لهذا الوعيد فأي فائدة في ضم القتل إليه؟ وإذا لا أثر للقتل في هذه الصورة فيكون الكلام جاريا مجرى قول القائل «إنّ من تنفس لجزاؤه جهنم» وزيف الوجه الثاني بأن الوعيد قسم من أقسام الخبر. وإذا جاز الكذب فيه لغرض إظهار الكرم فلم لا يجوز في القصص والأخبار وغير ذلك لغرض المصلحة؟ وفتح هذا الباب يفضي إلى الطعن في الشرائع. قال القفال: الآية تدل على أنّ جزاء القتل العمد هو ما ذكر.
وقد يقول الرجل لغيره: جزاؤك أني أفعل بك كذا إلّا أني لا أفعله. ولا يخفى ضعف هذا الجواب أيضا لدلالة سائر الآيات كقوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء: ١٢٣] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٨] على أنه يوصل الجزاء إلى المستحقين، ولأن قوله:
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً صريح في أنه تعالى سيفعل به ذلك لا سيما وقد أخبر عنه بلفظ الماضي ليعلم أنه كالواقع. ولتأكد هذه المعاني نقل عن ابن عباس أن توبة من أقدم على القتل العمد العدوان غير مقبولة. وعن سفيان كان أهل العلم إذا سألوا قالوا: لا توبة له. وحمله الجمهور على التغليظ والتشديد وإلّا فكل ذنب ممحوّ بالتوبة حتى الشرك. هذا عند المعتزلة، وعند الأشاعرة كل الذنوب يحتمل العفو إلّا الشرك لقوله تعالى:
وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨] .
ثم بالغ في تحريم قتل المؤمن فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا لتفعل هاهنا بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوّكوا فيه عن غير روية وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ وهو والسلم بمعنى الاستسلام، وقيل الإسلام، وقيل التحية يعني سلام أهل الإسلام.
قال السدي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على سرية، فلقي مرداس بن نهيك رجلا من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره وكان يقول لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهرب ثقة بإسلامه، فقتله أسامة واستاق غنما كانت معه. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره فقال: قتلت رجلا يقول لا إله إلّا الله. فقال: يا رسول الله إنما تعوذ من القتل. فقال: كيف أنت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلّا الله؟
قال: فما زال يردّدها عليّ أقتلت رجلا وهو يقول لا إله إلّا الله حتى تمنيت لو أنّ إسلامي