يأخذ منها البر والفاجر، سمي عرضا لأنه عارض زائل غير باق، ومنه العرض لمقابل الجوهر لقلة ثباته كما قيل: العرض لا يبقى زمانين فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام متعوّذا به لتأخذوا ماله. وقيل: يريد ما أعدّ لعباده من حسن الثواب في الآخرة كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ اختلفوا في وجه الشبه فقال الأكثرون: يريد أنكم أول ما دخلتم في الإسلام سمعت منكم كلمة الشهادة فحقنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالاستقامة والاشتهار بالإيمان وأن صرتم أعلاما فيه، فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام ما فعل بكم.
واعترض بأن لهم أن يقولوا ما كان إيماننا مثل إيمان هؤلاء لأنا آمنا بالاختيار وهؤلاء أظهروا الإيمان تحت ظلال السيوف، فكيف يمكن تشبيه أحدهما بالآخر؟ وعن سعيد بن جبير:
المراد أنكم كنتم تخفون إيمانكم عن قومكم كما أخفى إيمانه هذا الراعي عن قومه فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بإعزازكم حتى أظهرتم دينكم. وأورد عليه أن إخفاء الإيمان ما كان عاما فيهم.
وفي التفسير الكبير: المراد أنكم في أول الأمر إنما حدث فيكم ميل ضعيف بأسباب ضعيفة إلى الإسلام فمنّ الله عليكم بتقوية ذلك الميل وتزايد نور الإيمان، فكذا هؤلاء قد حدث لهم ميل ضعيف إلى الإسلام بسبب هذا الخوف فاقبلوا منهم إيمانهم إلى أن تتكامل رغبتهم فيه.
وقيل: إنّ قوله: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ منقطع عما تقدمه. وذلك أن القوم لما نهاهم عن قتل منّ تكلّم بلا إله إلّا الله ذكر أن الله من عليكم بأن قبل توبتكم عن ذلك الفعل المنكر، ثم أعاد الأمر بالتبين مبالغة في التحذير، ثم حذر عن الإضمار خلاف الإظهار فقال: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وفيه من الوعيد ما فيه.
ولما عاتبهم الله تعالى على ما صدر منهم وبدر عنهم كان مظنة أن يقع في قلبهم أن الأولى الاحتراز عن الجهاد فذكر من فضل الجهاد ما يزيح علّتهم ويزيد رغبتهم، أو نقول:
لما نهاهم عما نهاهم أتبعه فضيلة الجهاد ليبلغوا في الاحتراز عما يوجب خللا في هذا المنصب الجليل فقال: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ
عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولم يذكر أُولِي الضَّرَرِ فقال ابن أم مكتوم: فكيف وأنا أعمى لا أبصر؟ قال زيد: فتغشّى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه الوحي فاتكأ على فخذي فو الذي نفسي بيده لقد ثقل عليّ حتى خشيت أن يرضها ثم سري عنه فقال: اكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فكتبتها. رواه البخاري.
والمراد بالضرر النقصان سواء كان في البنية كعمى وعرج ومرض أو بسبب عدم الأهبة. من قرأ غَيْرُ بالنصب فعلى الاستثناء من القاعدين أو