للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تجوز لغيره لقوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ولأن تغيير هيئة الصلاة أمر على خلاف الدليل إلّا أنا جوّزنا ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم لفضيلة الصلاة خلفه فينبغي لغيره على المنع.

وجمهور الفقهاء على أنها عامة لأن أئمة الأمة نواب عنه في كل عصر ألا ترى أن قوله:

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: ١٠٣] لم يوجب كون الرسول صلى الله عليه وسلم مخصوصا به دون أئمة أمته؟ وذهب المزني إلى نسخ صلاة الخوف محتجا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها في حرب الخندق، وأجيب بأن ذلك قبل نزول الآية.

عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه قال بعضهم لبعض: كأن هذا فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم. فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاستعدّوا حتى تغيروا عليهم فيها فأنزل الله عز وجل على نبيه: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ إلى آخر الآية

أما شرح صلاة الخوف فهو أن الإمام يجعل القوم طائفتين ويصلي بإحداهما ركعة واحدة، ثم إذا فرغوا من الركعة سلموا منها ويذهبون إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام ركعة أخرى ويسلم. وهذا مذهب من يرى صلاة الخوف ركعة فللإمام ركعتان وللقوم ركعة، وهذا مروي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد. وقال الحسن البصري: إن الإمام يصلي بتلك الطائفة ركعتين ويسلم، ثم تذهب تلك الطائفة إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي الإمام بهم مرة أخرى ركعتين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل. وليس في هذه الصلاة إلّا اقتداء مفترض بمتنفل، فإن الصلاة الثانية نافلة للإمام لا محالة. وفي جواز ذلك اختلاف بين العلماء. وقال الشافعي إن كان العدو في جهة القبلة صلى الإمام بجميع العسكر إلى الاعتدال عن ركوع الركعة الأولى، فإذا حان وقت السجدة حرست فرقة إما صف أو فرقة من صف إلى أن يفرغ الإمام وغير الحارسة من السجدتين، فإذا فرغ الإمام منهما سجدت الفرقة الحارسة ولحقت به حيث أمكنها، وإذا سجد الإمام الركعة الثانية حرست فرقة إما الفرقة الحارسة في الركعة الأولى أو الفرقة الأخرى وهذه أولى. فإذا فرغ الإمام من السجود سجدت الحارسة ولحقت بالإمام في التشهد ليسلم بهم.

وليس في هذه الصلاة إلّا التخلف عن الإمام بأركان السجدتين والجلسة بينهما، واحتمل لحاجة الخوف وظهور العذر وبمثله صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وأما إن لم يكن العدوّ في وجه القبلة أو كانوا بحيث يمنعهم شيء من أبصار المسلمين صلى الإمام في الثنائية كالصبح أو الرباعية المقصورة بكل فرقة ركعة، وذلك أن ينحاز الإمام بفرقة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة، فإذا قام إلى الثانية انفردوا بها وسلموا وأخذوا مكان، إخوانهم في الصف، وانحاز الصف المقاتل إلى الإمام وهو ينتظر لهم واقتدوا به في

<<  <  ج: ص:  >  >>