وأولاء وهما مبتدأ وخبر وقوله: جادَلْتُمْ عَنْهُمْ
جملة موضحة للأولى كما يقال للسخي:
أنت حاتم تجود بمالك. أو المراد أنتم الذين جادلتم والخطاب لقوم مؤمنين كانوا يذبون عن طعمة وقومه لأنهم في الظاهر مسلمون. والمعنى: هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وقومه في الدنيا فمن الذي يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
حافظا ومحاميا عن عذاب الله. وهذا الاستفهام معطوف على الأول وكلاهما للإنكار والتقريع.
ثم أردف الوعيد بذكر التوبة فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
قبيحا متعديا يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودي أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
بما يجازي به كالحلف الكاذب. وإنما خص ما يتعدى إلى الغير باسم السوء لأن إيصال الضرر إلى الغير سوء حاضر بخلاف الذي يعود وباله إلى فاعله فإن ذلك في الأكثر لا يكون ضررا عاجلا، لأن الإنسان لا يوصل الضرر إلى نفسه. وقد يستدل بإطلاق الآية على أن التوبة مقبولة عن جميع الذنوب وإن كان كفرا أو قتلا عمدا أو غصبا للأموال، بل على أن مجرد الاستغفار كاف. وعن بعضهم أن الاستغفار لا ينفع مع الإصرار فلابد من اقترانه بالتوبة يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
أي له فحذف هذا الرابط لدلالة الكلام عليه لأنه لا معنى للترغيب في الاستغفار إلا إذا كان المراد ذلك. وقيل: ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك أو يظلم نفسه بالشرك، وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة لتلزمه الحجة مع العلم بما يكون منه، أو بعث لقومه لما فرط منهم من نصرته والذب عنه. وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً
لكسب عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة ولذلك لم يجز وصف الباري تعالى بذلك. والمقصود منه ترغيب العاصي في الاستغفار وكأنه قال: الذنب الذي أتيت به إنما يعود وباله وضرره إليك لا إليّ فإني منزه عن النفع والضر، ولا تيأس من قبول التوبة.
وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
تقتضي حكمته أن يتجاوز عن التائب ما علمه منه. وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً
صغيرة وَإِثْماً
كبيرة وقيل: الخطيئة الذنب القاصر على فاعله والإثم هو الذنب المتعدي إلى الغير كالظلم والقتل. وقيل الخطيئة ما لا ينبغي فعله سواء كان بالعمد أو الخطأ، والإثم ما حصل بسبب العمد. ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
أي بأحد المذكورين أو بالإثم أو بذلك الذنب لأن الخطيئة في معنى الذنب، أو بذلك الكسب بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
لأنه بكسب الإثم أثيم وبرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين، فلا جرم يلحقه الذم في الدارين. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
ولولا أن خصك الله الفضل وهو النبوة وبالرحمة وهي العصمة لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
من بني ظفر أو طائفة من الناس والطائفة بنو ظفر أَنْ يُضِلُّوكَ
عن القضاء الحق والحكم العدل وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
بسبب تعاونهم على