النبي صلى الله عليه وسلم والباقي يكفي في اعتقاده إخبار الصادق على أن إخبار الصادق أيضا دليل فلا حكم إلّا عن دليل. ثم إنه كرّر في السورة قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ للتأكيد. وقيل:
لقصة طعمة وإشراكه بالله. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً لأنّه لا أجلى من وجود الصانع ووحدته، والمطلوب كلما كان أجلى كان نقيضه أبعد. ثم أوضح هذا المعنى بقوله سبحانه: إِنْ يَدْعُونَ أي ما يعبدون مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً أي أوثانا وكانوا يسمونها بأسماء الإناث كاللات والعزى، فاللات تأنيث الله، والعزى تأنيث الأعز. قال الحسن: لم يكن حي من أحياء العرب إلّا ولهم صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان ويؤيده قراءة عائشة إلّا أوثانا وقراءة ابن عباس إلّا أثنا جمع وثن مثل أسد وأسد إلّا أن الواو أبدلت همزة كأجوه. وقيل: المراد إلّا أمواتا لأنّ الإخبار عن الأموات يكون كالإخبار عن الإناث.
تقول: هذه الأحجار أعجبتني كما تقول هذه المرأة أعجبتني، ولأن الأنثى أخس من الذكر والميت أخس من الحي. وقيل: كانوا يقولون في أصنامهم هنّ بنات الله. وقيل: إنّ بعضهم كان يعبد الملائكة ويقولون الملائكة بنات الله. وَإِنْ يَدْعُونَ ما يعبدون بعبادة الأصنام إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً بالغا في العصيان مجردا عن الطاعة. يقال: شجرة مرداء إذا تناثر ورقها، والأمرد ذلك الذي لم تنبت له لحية. قال المفسرون: كان في كل واحدة من تلك الأوثان شيطان يتراءى للسدنة يكلمهم. وقالت المعتزلة: جعلت طاعتهم للشيطان عبادة له لأنه هو الذي أغراهم على عبادتها فأطاعوه. والظاهر أنّ المراد بالشيطان هاهنا هو إبليس لأنه وصف بقوله: لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ وهو جواب قسم محذوف أي شيطانا جامعا بين لعنة الله إياه وبين هذا القول الشنيع وهو الإخبار عن الاتخاذ مؤكدا بالقسم. ويمكن أن يقال: المراد بلعنة الله ما استحق به اللعن من استكباره عن السجود كقولهم: أبيت اللعن أي لا فعلت ما تستحقه به. ومعنى نَصِيباً مَفْرُوضاً حظا مقطوعا واجبا فرضته لنفسي وأصل الفرض القطع ومنه الفريضة لأنه قاطع الأعذار وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة: ٢٣٧] جعلتم لهن قطعة من المال. وفرض الجندي رزقه المقطوع المعين. قال الحسن: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وذلك لما
روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير بيديك. قال: أخرج بعث النار. قال:
وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون» «١» الحديث.
وهاهنا سؤال وهو أن حزب الشيطان وهم الذين يتبعون خطواته من الكفار والفساق لما كانوا أكثر من حزب الله
(١) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٧. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٣٧٩. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٢٢ باب ١، ٢. أحمد في مسنده (١/ ٣٨٨) ، (٢/ ١٦٦) .