للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرص، وأرض شحاح لا تسيل إلا من مطر كثير. جعل الشح كالأمر الحاضر للنفوس لأنها جبلت على ذلك. ثم يحتمل أن يكون هذا تعريضا بالمرأة أنها تشح ببذل نصيبها أو حقها، أو بالزوج أنه يشح بأنه ينقضي عمره معها مع دمامتها وكبر سنها وعدم الالتذاذ بصحبتها.

واعلم أنه رخص أولا في الصلح بقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وغايته ارتفاع الإثم، ثم بين أنه كما لا جناح فيه فكذلك فيه خير كثير.

ثم حث على الإحسان والتقوى وحسم مادة الخصومة رأسا فقال: وَإِنْ تُحْسِنُوا أي بالإقامة على نسائكم فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ وأحببتم غيرهن وتتقوا النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة المحوجة إلى الصلح فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان والتقوى خَبِيراً فيثيبكم على ذلك. وعلى هذا فالخطاب للأزواج، وقيل: الخطاب للزوجين أن يحسن كل منهما إلى صاحبه ويحترز عن الظلم. وقيل: لغيرهما أن يحسنوا في المصالحة بينهما ويتقوا الميل إلى واحد منهما. يحكى أن عمران بن حطان الخارجي كان من أدمّ بني آدم وامرأته من أجملهم. فأجالت يوما نظرها في وجهه ثم قالت: الحمد لله. فقال: مالك؟

فقالت: حمدت الله على إني وإياك من أهل الجنة. لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، والشاكر والصابر من أهل الجنة. وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا لن تقدروا على التسوية بين النساء في ميل الطباع وَلَوْ حَرَصْتُمْ وإذا لم تقدروا عليها بحيث لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان لم تكونوا مكلفين به، وهذا تفسير يناسب مذهب المعتزلة من أن تكليف ما لا يطاق غير واقع ولا جائز. فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ أي رفع عنكم تمام العدل وغايته ولكن ائتوا منه ما استطعتم بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم. وبوجه آخر لن تستطيعوا التسوية في الميل القلبي وَلَوْ حَرَصْتُمْ ولا التسوية الكلية في نتائج الحب من الأقوال والأفعال لأن الفعل بدون الداعي ومع قيام الصارف محال. فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها ونفقتها وسائر حقوقها وحظوظها من غير رضا منها فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ بين السماء والأرض لا على قرار أي غير ذات بعل ولا مطلقة. والغرض النهي عن الميل الكلي مع جواز التفريط في العدل الكلي في نتائج الميل القلبي، وأما الميل القلبي فمعفو بالكل وبالبعض لأن القلب ليس في تصرف الإنسان وإنما هو بين أصبعين من أصابع الرحمن.

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل فيقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» «١»

يعني المحبة لأن


(١) رواه الترمذي في كتاب النكاح باب ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>