بيده على ظهر سلمان وقال: إنهم قوم هذا يريد أبناء فارس.
ثم رغب الإنسان فيما عنده من الكرامة فقال: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فماله يطلب الأخس بالذات مع أنه إذا طلب الأشرف تبعه الأخس.
فالتقدير: فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده ليحصل ربط الجزاء بالشرط وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً لأقوال المجاهدين والطالبين بَصِيراً بمطامح عيونهم ومطارح ظنونهم فيجازيهم على نحو ذلك. ثم بيّن أنّ كمال سعادة الإنسان في أن يكون قوله لله وفعله لله وحركته لله وسكونه لله فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ مجتهدين في اختيار العدل محترزين عن ارتكاب الميل شُهَداءَ لِلَّهِ لوجهه ولأجل مرضاته كما أمرتم بإقامتها ولو كانت تلك الشهادة وبالا على أنفسكم، أو الوالدين والأقربين بأن يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره. وفي كلام الحكماء:«إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى» . أو المراد الإقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها وأن يقول: أشهد أنّ لفلان على والدي كذا أو على أقاربي كذا. وإنما قدم الأمر بالقيام بالقسط على الأمر بالشهادة لله عكس قوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: ١٨] لأنّ شهادة الله تعالى عبارة عن كونه خالقا للمخلوقات، وقيامه بالقسط عبارة عن رعاية قوانين العدل في تلك المخلوقات، والأول مقدم على الثاني. وأما في حق العباد فالعدالة مقدمة على الشهادة تقدم الشرط على المشروط فاعلم. إِنْ يَكُنْ المشهود عليه غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فلا تكتموا الشهادة طلبا لرضا الغني أو ترحما على الفقير فَاللَّهُ أَوْلى بأمورهما ومصالحهما. وكان حق النسق أن لو قيل فالله أولى به أي بأحد هذين إلّا أنه ثنى الضمير ليعود إلى الجنسين كأنه قيل: فالله أولى بجنسي الفقير والغني أي بالأغنياء والفقراء يريد بالنظر لهما وإرادة مصلحتهما ولولا أنّ الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها.
قال السدي: اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم غني وفقير وكان ميله إلى الفقير رأى أنّ الفقير لا يظلم الغني فأبى الله إلّا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير وأنزل الآية.
وقوله: أَنْ تَعْدِلُوا يحتمل أن يكون من العدل أو من العدول فكأنه قيل: فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس، أو إرادة أن تعدلوا عن الحق. واحتمال آخر وهو أن يراد اتركوا الهوى لأجل أن تعدلوا أي حتى تتصفوا بصفة العدالة لأنّ العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى، ومن ترك أحد النقيضين فقد حصل له الآخر. وَإِنْ تَلْوُوا بواوين من لوى يلوي إذا فتل، وبواو واحدة من الولاية.
والمعنى وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق وحكومة العدل أَوْ تُعْرِضُوا عن الشهادة بما عندكم أو إن وليتم إقامة الشهادة أو تركتموها. واعلم أن الإنسان لا يكون قائما بالقسط إلّا