إيمانه راسخا في شأنه فلهذا المعنى وصف أهل الإيمان بالثبات يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم: ٢٧] أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: ٢٨] يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر: ٢٧] قيل: إنه تعالى ذمهم على ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكفار، والذم على ترك طريقة الكفار غير جائز. قلنا: إنما توجه الذم لأنهم عدلوا عن الكفر إلى ما هو أخبث وهو طريق النفاق ولهذا ورد فيهم من المبالغات ما ورد من قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [الرعد: ٢٨] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ أي لا تتشبهوا بالمنافقين في اتخاذهم اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام أولياء، وهو نهي للمؤمنين عن مولاة المنافقين والتخلق بأخلاقهم ومذاهبهم. ومعنى سُلْطاناً حجة بينة على النفاق لأن وليّ المنافق منافق لا محالة. ومعنى قوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ أي في أقصى قعرها فإن القعر الأخير من النار درك ودرك ومع ذلك وصف بالأسفل. ودركات النار منازلها نقيض درجات الجنة، فبين أن المنافق في غاية البعد ونهاية الطرد عن حضرة الله تعالى وأنه مع فرعون لأنّ الدرك الأسفل أشد العذاب وقد قال عز من قائل:
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر: ٤٦] وقيل: إن النار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض. قال أبو حاتم: جمع الدرك أدراك كفرس وأفراس، وجمع الدرك أدرك كفلس وأفلس. ثم قال: وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً احتجوا بهذا على إثبات الشفاعة في حق الفساق من أهل القبلة لأنه تعالى ذكره في معرض الزجر عن النفاق، فلو حصل نفي الشفاعة مع عدم النفاق لم يبق هذا زجرا عن النفاق من حيث إنه نفاق. ثم استثنى منهم التائبين فشرط أمورا أربعة أولها التوبة. وثانيها إصلاح ما أفسدوا من أسرارهم.
وثالثها الاعتصام بدين الله. ورابعها الإخلاص لأنه إذا كان مطلوبه جلب المنافع ودفع المضار تغير عن التوبة وإصلاح العمل سريعا، أما إذا كان مطلوبه مرضاة الله وسعادة الآخرة والاعتصام بحبل الله بقي على هذه الطريقة ولم يتغير عنها. وعند حصول الشرائط قال:
فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل مؤمنون تشريفا للمؤمنين أنهم متبعون والمنافقون بعد الشرائط تبع لهم. ثم بين وعد المؤمنين بقوله: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ليشمل المنافقين التائبين بالتبعية. ثم برهن على أن فائدة الإيمان والعمل الصالح إنما ترجع على المكلفين فقال: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ لأن تعذيب الملوك بعض الرعية إنما يكون للتشفي من الغيظ أو لدرك الثأر أو لجلب المنافع أو لدفع المضار وأمثال هذه الأمور في حقه تعالى محال، وإنما المقصود حمل المكلفين على فعل الحسن وترك القبيح لينالوا السعادة العظمى، فمن امتثل وأطاع فكيف يليق بكرمه تعذيبه. قالت المعتزلة: