للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يحب الله المجاهر بالسوء إلّا من ظلم. وعلى الثاني المعنى لكن المظلوم له أن يجهر بظلامته. وماذا يفعل المظلوم؟ قال ابن عباس: له أن يرفع صوته بالدعاء على من ظلمه.

وقال مجاهد: له أن يخبر بظلم ظالمه له. وقال الأصم: لا يجوز إظهار الأحوال المستورة المكنونة حذرا من الغيبة والريبة لكن له إظهار ظلمه بأن يذكر أنه سرق أو غصب. وقال الحسن: له أن ينتصر من ظالمه. وعن مجاهد أن ضيفا تضيف قوما فأساؤا قراه فاشتكاهم فنزلت الآية رخصة في أن يشكو. وقرأ الضحاك وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير إِلَّا مَنْ ظُلِمَ على البناء للفاعل. وقيل: إنه كلام منقطع عما قبله أي لكن من ظلم فدعوه وخلوه.

وقال الفراء والزجاج: معناه لكن من ظلم فإنه يجهر له بالسوء من القول وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً فليتق الله ولا يقل إلا الحق ولا يقذف مستورا. ثم حث على العفو بقوله: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ وهو إشارة إلى إيصال النفع أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ وهذا إشارة إلى دفع الضرر، وعلى هذين تدور المعاشرة مع الخلق. فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً قال الحسن: أي يعفو عن الجاني مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنّة الله. وقيل: عفو لمن عفا، قدير على إيصال الثواب إليه. وقال الكلبي: معناه أن الله أقدر على عفو ذنوبك منك على عفو صاحبك.

وفي الخبر أن أبا بكر الصديق شتمه رجل فسكت مرارا ثم رد عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبوبكر: شتمني وأنت جالس فلما رددت عليه قمت. قال: إن ملكا كان يجيب عنك، فلما رددت ذهب الملك وجاء الشيطان فلم أجلس عند مجيء الشيطان.

ثم إنه سبحانه تكلم بعد ذكر أحوال المنافقين في مذاهب اليهود والنصارى وأباطيلهم. وذلك أنواع: الأول إيمانهم ببعض الأنبياء دون بعض فسلكهم في سلك من لا يقر بالوحدانية ولا بالنبوّات وهم الذين يكفرون بالله ورسله، وفي سلك من يقر بالوحدانية وينكر النبوّات وهم الذين يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله في الإيمان بالله والكفر بالرسل وذلك أن اليهود آمنوا بموسى والتوراة وكفروا بعيسى والإنجيل ومحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان، والنصارى آمنوا بعيسى والإنجيل وكفروا لمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا بالبعض وأرادوا أن يتخذوا بين ذلك أي بين الإيمان بالكل وبين الكفر بالكل سبيلا أي واسطة أُولئِكَ أي الطوائف الثلاث هُمُ الْكافِرُونَ أما الطائفة الأولى فكفرهم ظاهر، وأما الثانية فلأنّ تكذيب الأنبياء وإنكارهم يستلزم تكذيب الله إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح: ١٠] وأما الطائفة الثالثة فلأنّ الدليل الدال على نبوة بعض الأنبياء هو المعجزة ويلزم منه حصول النبوة حيث حصل المعجز فالقدح في بعض من ظهر على يده المعجزة هو القدح في كل نبي. فقيل: هب أنه يلزمهم الكفر بكل الأنبياء ولكن ليس إذا توجه بعض الإلزامات على إنسان لزم أن يكون ذلك الإنسان قائلا به، فإلزام الكفر أمر والتزام الكفر غيره. فالجواب أن الإلزام إذا كان خفيا

<<  <  ج: ص:  >  >>