عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه. قال: وكان متكئا فاستوى جالسا فنظر إليّ وقال:
ممن قلت؟ قلت: حدثني محمد بن علي ابن الحنفية فأخد ينكت الأرض بقضيبه ثم قال:
لقد أخذتها من عين صافية أو من معدنها. وعن ابن عباس أنه فسره كذلك فقال له عكرمة:
فإن أتاه رجل فضرب عنقه؟ قال: لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه. قال: وإن خر من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع؟ قال: يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن به.
وفائدة هذا الإخبار الوعيد وإلزام الحجة والبعث على معاجلة الإيمان به في أوان الانتفاع، لأنه إذا لم يكن بد من الإيمان به فلأن يؤمنوا به حال التكليف ليقع معتدا به أولى. وقيل:
الضميران في بِهِ وفي مَوْتِهِ لعيسى والمراد بأهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله. روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود والنمور مع الإبل والبقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. قال بعض المتكلمين: ينبغي أن يكون هذا عند ارتفاع التكاليف أو بحيث لا يعرف إذ لو نزل مع بقاء التكليف على وجه يعرف أنه عيسى. فأما أن يكون نبيا- ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم- أو غير نبي وعزل الأنبياء لا يجوز. وأجيب بأنه كان نبيا إلى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك انتهت مدة نبوته فلا يلزم عزله فلا يبعد أن يصير بعد نزوله تبعا لمحمد صلى الله عليه وسلم. قال في الكشاف: ويجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلّا ليؤمنن به على أن الله تعالى يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما أنزل له ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم.
وقيل: الضمير في بِهِ يرجع إلى الله تعالى وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله وكذلك كل نبي شاهد على أمته. قوله: فَبِظُلْمٍ التنوين للتعظيم يعني فبأي ظلم مِنَ الَّذِينَ هادُوا والذنوب نوعان: الظلم على الخلق وهو قوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا الآية والإعراض عن الدين الحق وهو قوله: وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً أي ناسا كثيرا أو صدا كثيرا.
ومن هذا القبيل أخذ الربا بعد النهي عنه وأكل أموال الناس بالباطل أي بالرشا على التحريف فهذه الذنوب هي الموجبة للتشديد عليهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فتحريم بعض المطاعم الطيبة كما يجيء في سورة الأنعام: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام: ١٤٦] الآية وأما في الآخرة فقوله: وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً واعلم أن في متعلق قوله: فَبِما نَقْضِهِمْ وما عطف عليه قولين: الأوّل أنه محذوف والتقدير: فبنقضهم وبكذا وكذا لعناهم أو سخطنا عليهم أو نحو ذلك ثم استأنف قوله: