حج البيت بقوله: لا تُحِلُّوا ثم نزل بعد ذلك: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: ٢٨] ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ [التوبة: ١٧] وهؤلاء فسروا ابتغاء الفضل بالتجارة، وابتغاء الرضوان بأن المشركين كانوا يظنون في أنفسهم أنهم على شيء من الدين وأن الحج يقرّبهم إلى الله فوصفهم الله بظنهم. وقال الآخرون: إنها محكمة وإنه تعالى أمرنا أن لا نخيف من يقصد بيته من المسلمين بدليل قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ أي ثوابا وَرِضْواناً وأن يرضى عنهم وهذا إنما يليق بالمسلم لا بالكافر. وقال أبو مسلم: المراد بالآية الكفار الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما زال العهد بسورة براءة زال ذلك الخطر. وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ظاهر الأمر للوجوب إلّا أنه يفيد هاهنا الإباحة لأنه لما كان المانع من حل الاصطياد هو الإحرام لقوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فإذا زال الإحرام رجع إلى أصل الإباحة وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ معطوف على لا تُحِلُّوا وجرم بمعنى كسب من حيث المعنى ومن حيث تعديه إلى مفعول واحد تارة وإلى مفعولين أخرى.
تقول: جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه وهذا هو المذكور في الآية. الشنآن بالتحريك والتسكين مصدر شنأته أشنؤه وكلاهما شاذ فالتحريك شاذ في المعنى لأن فعلان من بناء الحركة والاضطراب كالضربان والخفقان. والتسكين شاذ في اللفظ لأنه لم يجىء شيء من المصادر عليه قاله الجوهري. ومعنى الآية لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء أو لا يحملنكم بغضهم على الاعتداء. وقوله: أَنْ صَدُّوكُمْ من قرأ بكسر الهمزة فهو شرط وجوابه ما يدل عليه لا يَجْرِمَنَّكُمْ، ومن قرأ بفتح «أن» فمعناه التعليل أي لأن صدوكم.
قيل: هذه القراءة أولى لأن المراد منع أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة والسورة نزلت بعد الحديبية. وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى على العفو والإغضاء أو على كل ما يعدّ برا وتقوى. وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ على الانتقام والتشفي أو على كل ما يورث الإثم والتجاوز عن الحد. والحاصل أن الباطل والإثم لا يصلح لأن يقتدى به ويعان عليه وإنما اللائق بالاقتداء به والتعاون عليه هو الخير والبر وما فيه تقوى الله سبحانه وتعالى. ثم بالغ في هذا المعنى بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في استحلال محارمه.
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. ثم شرع في تفصيل الاستثناء الموعود تلاوته في قوله: إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فقال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الآية. والمجموع المستثنى أحد عشر نوعا:
الأول الميتة كانوا يقولون إنكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله. قالت العقلاء:
الحكمة في تحريم الميتة أن الدم جوهر لطيف فإذا مات الحيوان حتف أنفه احتبس الدم في عروقه وتعفن فيحصل من أكله مضار كثيرة. الثاني الدم كانوا يأكلون الفصيد وهو دم كان