وفيه ما فيه على أن الإضمار الذي ذهب إليه هو خلاف الأصل. والذي مال إليه الفراء أدل على العموم وأوفق لقوله سبحانه: جَزاءً بِما كَسَبا فإنه تصريح بأن المراد من الكلام الأول هو الشرط والجزاء. أما البحث المعنوي في الآية فإن كثيرا من الأصوليين زعموا أنها مجملة لأنه لم يبين نصاب السرقة وذكر الأيدي وبالإجماع لا يجب قطع اليدين، ولأن اليد تقع على الأصابع بدليل أن من حلف لا يلمس فلانا بيده فلمسه بأصابعه فإنه يحنث، وتقع على الأصابع مع الكف وعلى الأصابع والكف والساعدين إلى المرفقين وعلى كل ذلك إلى المنكبين. وأيضا الخطاب في: فَاقْطَعُوا إما لإمام الزمان كما هو مذهب الأكثرين أو لمجموع الأمة أو لطائفة مخصوصة فثبت بهذه الوجوه أن الآية مجملة. وقال المحققون:
مقتضى الآية ولا سيما في تقدير الفراء عموم القطع بعموم السرقة إلّا أن السنة خصصته بالنصاب. أو نقول: إن أهل اللغة لا يقولون لمن أخذ حبة بر إنه سارق. والمراد بالأيدي اليدان مثل: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التحريم: ٤] وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجب قطعهما معا ولا الابتداء باليسرى. واليد اسم موضوع لهذا العضو إلى المنكب ولهذا قيد في قوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ [المائدة: ٦] وقد ذهب الخوارج إلى وجوب قطع اليدين إلى المنكبين لظاهر الآية إلّا أن السنة خصصته بالكوع. والحاصل أن الآية عامة لكنها خصصت بدلائل منفصلة فتبقى حجة في الباقي، وهذا أولى من جعلها مجملة غير مفيدة أصلا. ثم إن جمهور الصحابة والفقهاء ذهبوا إلى أن القطع لا يجب إلّا عند شروط كالنصاب والحرز، وخالف ابن عباس وابن الزبير والحسن وداود الأصفهاني والخوارج تمسكا بعموم الآية، ولأن مقادير القلة والكثرة غير مضبوطة، فالذي يستقله الملك يستكثره الفقير. وقد قال الشافعي: لو قال لفلان عليّ مال عظيم ثم فسره بالحبة يقبل لاحتمال أن يريد أنه عظيم في الحل أو عظيم عنده لشدة فقره. ولما طعنت الملحدة في الشريعة بأن اليد كيف ينبغي أن تقطع في قليل مع أن قيمتها خمسمائة دينار من الذهب، أجيب عنه بأن ذلك عقوبة من الشارع له على دناءته. وإذا كان هذا الجواب مقبولا من الكل فليكن مقبولا منا في إيجاب القطع على القليل والكثير. وأيضا اختلاف المجتهدين في قدر النصاب كما يجيء يدل على أن الأخبار المخصصة عندهم متعارضة فوجب الرجوع إلى ظاهر القرآن. ودعوى الإجماع على أن القطع مخصوص بمقدار معين غير مسموعة لخلاف بعض الصحابة والتابعين كما قلنا. واعلم أن الكلام في السرقة يتعلق بأطراف المسروق ونفس السرقة والسارق. وأما المسروق فمن شروطه عند الأكثرين أن يكون نصابا. ثم قال الشافعي: إنه ربع دينار من الذهب الخالص وما سواه يقوم به وهو مذهب الإمامية لما