للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريعتهم شريعة موسى. والربانيون قد مر تفسيره في آل عمران. والأحبار عن ابن عباس هم الفقهاء، الواحد حبر بالفتح من قولهم: فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة، أو حبر بالكسر من ذلك أيضا لقولهم: حسن الحبر بالكسر أيضا.

وفي الحديث: «يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره»

أي جماله وبهاؤه. وتحبير الخط والشعر تحسينه أو من هذا الحبر الذي يكتب به لكون العالم صاحب كتب. قاله الفراء والكسائي وأبو عبيدة. ثم إن ذكر الربانيين بعد النبيين يدل على أنهم أعلى حالا من الأحبار فيشبه أن يكون الربانيون كالمجتهدين والأحبار كآحاد العلماء. وقوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا إما أن يكون من صلة يَحْكُمُ أي يحكم بها الربانيون والأحبار بسبب ما استحفظوا، أو يكون من صلة الأحبار أي العلماء بما استحفظوا بما سألهم أنبياؤهم حفظه. و «من» في مِنْ كِتابِ اللَّهِ للتبيين. وقد أخذ الله تعالى على العلماء أن يحفظوا كتابه من وجهين: أحدهما أن يحفظوه في صدورهم ويدرسوه بألسنتهم، والثاني أن لا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه. وكانوا أي هؤلاء النبيون والربانيون والأحبار عليه على أن كل ما جاء في التوراة حق من عند الله شهداء رقباء لئلا يبدل، ويحتمل أن يعود ضمير اسْتُحْفِظُوا إلى النبيين وغيرهم جميعا.

والاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه وأن يكونوا عليه شهداء. ثم نهى اليهود المعاصرين عن التحريف لرهبة فقال: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وعن التغيير لرغبة فقال: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وهو الرشوة وابتغاء الجاه. ثم عمم الحكم فقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ احتجت الخوارج بالآية على أن كل من عصى الله فهو كافر.

وللمفسرين في جوابهم وجوه: الأول أنها مختصة باليهود وردّ بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا ريب أن لفظ «من» في معرض الشرط للعموم فلا وجه لتقدير ومن لم يحكم من هؤلاء المذكورين الذين هم اليهود لأنه زيادة في النص. وقال عطاء: هو كفر دون كفر. وقال طاوس: ليس بكفر الملة ولا كمن يكفر بالله واليوم الآخر. فلعلهما أرادا كفران النعمة، وضعف بأن الكافر إذا أطلق يراد به الكافر في الدين. وقال ابن الأنباري: المراد أنه يضاهي الكافر لأنه فعل فعلا مثل فعل الكافر وزيف بأنه عدول عن الظاهر. وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: معناه من أتى بضد حكم الله تعالى في كل ما أنزل فيخرج الفاسق لأنه في الاعتقاد والإقرار موافق وإن كان في العمل مخالفا. واعترض بأن سبب النزول يخرج حينئذ لأنه نزل في مخالفة اليهود في الرجم فقط، ويمكن أن يقال: المحرّف داخل في الكل. وقال عكرمة: إنما تتناول الآية من أنكر بقلبه وجحد بلسانه، أما العارف المقر إذا أخل بالعمل فهو حاكم بما أنزل الله تعالى ولكنه تارك فلا تتناوله الآية.

ثم إنه سبحانه لما بيّن أن حكم الزاني المحصن في التوراة هو الرجم واليهود غيروه

<<  <  ج: ص:  >  >>