للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإما لأنهما حكمان لأنهم احتكموا إليه في زنا المحصنين ثم احتكموا في قتل كان بينهم.

وزعم بعض الأئمة أن هذه الآية ناسخة للتخيير في قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ

وعن ابن عباس أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشماس بن قيس من أحبار اليهود قالوا: اذهبوا بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه. فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل فيهم: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ

محله نصب على أنه مفعول له أي مخافة أن يفتنوك، أو على أنه بدل اشتمال من مفعول احذر. والمراد بالفتنة رده إلى أهوائهم فكل من صرف من الحق إلى الباطل فقد فتن. قال بعض أهل العلم: في الآية دليل على أن الخطأ والنسيان جائزان على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن التعمد في مثل هذا غير جائز فلم يبق إلّا الخطأ والنسيان فلو لم يكونا جائزين أيضا لم يكن للحذر فائدة، فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الحكم المنزل أي فإن لم يقبلوا حكمك فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ أما الإصابة فالمراد بها قتلهم وإجلاؤهم، وأما ذكر بعض الذنوب فلأن مجازاتهم ببعض الذنوب كافية في إهلاكهم وتدميرهم، أو أراد بالبعض ذنب التولي عن حكم الله. وفيه أن لهم ذنوبا جمة وأن هذا الذنب عظيم جدا كقول لبيد:

تراك أمكنة إذا لم أرضها. ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها.

أراد نفسه وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام فكأنه قال نفسا كبيرة لأن التنكير في معنى البعضية أيضا. لَفاسِقُونَ لمتمردون في الكفر. وفيه أن التولي عن حكم الله فسق مؤكد جدا.

ثم استفهم منكرا لرأيهم فقال: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وفيه تعيير لليهود بأنهم أهل كتاب وعلم ومع ذلك يطلبون حكم الملّة الجاهلية التي هي محض الجهل وصريح الهوى.

وقال مقاتل: إن قريظة والنضير طلبوا إليه أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القتلى بواء أي سواء. فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بذلك فنزلت.

وعن الحسن هو عام في كل من يبتغي غير حكم الله. وسئل طاوس عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فتلا هذه الآية. واللام في قوله: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ للبيان كاللام في: هَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] أي هذا لخطاب وهذا الاستفهام لهم لأنهم الذين يعرفون أنه لا أحد أعدل من الله حكما ولا أحسن منه بيانا.

قال عطية العوفي: جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثيرا عددهم حاضرا نصرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>