للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا

الطعم خلاف الشرب في الأغلب وقد يقع على المشروب كقوله وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة: ٢٤٩] فيجوز أن يكون المراد فيما شربوا من الخمر، ويحتمل أن يكون معنى الطعم راجعا إلى التلذذ بما يؤكل ويشرب جميعا، فقد تقول العرب: أطعم أي ذق. ونظير هذه الآية قوله في نسخ القبلة وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: ١٤٣] والعامل في إِذا مَا اتَّقَوْا معنى الكلام المتقدم أي لا يأثمون في ذلك إذا اتقوا المحرمات لأنهم شربوها حين كانت محللة. والمراد أن أولئك كانوا على هذه الصفة وهو ثناء عليهم وحمد لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان.

وزعم بعض الجهلة أن هذا الحكم متعلق بالمستقبل وإلا قيل: لم يكن أو ما كان جناح مثل وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ [البقرة: ١٤٣] والمعنى لا جناح على من طعمها إذا لم يحصل معه العداوة والبغضاء وسائر المفاسد المذكورة بل حصل معه أنواع المصالح من الطاعة والتقوى والإحسان إلى الخلق. والجواب أن صيغة طعموا وهي المضي تأباه، وأيضا إن سبب نزول الآية يكذبه.

روى أبو بكر الأصم أنه لما نزل تحريم الخمر قال أبو بكر: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وأكلوا القمار، وكيف بالغائبين عنا في البلاد لا يشعرون بتحريم الخمر وهم يطعمونها؟ فنزلت.

وعلى هذا فالحل قد ثبت فيما يستقبل لكن في حق الغائبين الذين لم يبلغهم هذا النص. ثم إنه سبحانه شرط في نفي الجناح حصول التقوى والإيمان مرتين، وفي الثالثة التقوى والإحسان. فقال الأكثرون: الأول فعل الاتقاء، والثاني دوامه والثبات عليه، والثالث اتقاء ظلم العباد مع الإحسان إليهم. وقيل: الأول اتقاء جميع المعاصي قبل نزول الآية، والثاني اتقاء الخمر والميسر وما في هذه الآية، والثالث اتقاء ما يحدث تحريمه بعد هذه الآية وهذا قول الأصم. وقيل: اتقوا الكفر ثم الكبائر ثم الصغائر. وقال القفال: الأول الاتقاء من القدح في صحة النسخ ليثبت تحريم الخمر بعد أن كانت مباحة، والثاني الإتيان بالعمل المطابق للآية، والثالث المداومة على التقوى مع الإحسان إلى الخلق. ثم إنه سبحانه استثنى بعض الصيد من المحللات فقال على سبيل التوكيد القسمي لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ أي ليعاملنكم معاملة المختبر بِشَيْءٍ التنوين للتحقير وفيه أنه ليس من الفتن العظام التي تدحض عندها الأقدام كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال، فامتحن الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بصيد البر كما امتحن أصحاب أيلة بصيد البحر. قال مقاتل بن حيان: ابتلاهم بالصيد وهم محرمون عام الحديبية حتى إن الوحش والطير يغشاهم في رحالهم فيقدرون على أخذها بالأيدي وصيدها بالرماح وما رأوا مثل ذلك قط، فنهاهم الله عن ذلك ابتلاء. قال الواحدي: الذي تناله أيديهم من الصيد الفراخ والبيض وصغار

<<  <  ج: ص:  >  >>