للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء. وهو قول داود لأن النهي ورد عن التعمد وهو أن يقتله ذاكرا لإحرامه أو عالما أن ما يقتله مما يحرم عليه قتله، فإن قتله وهو ناس لإحرامه أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد، أو رمى غير صيد فعدل السهم فأصاب صيدا فهو مخطئ لا شيء عليه لفقدان القيد المذكور. ويتأكد هذا الرأي بقوله لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ وبقوله وَمَنْ عادَ أي الى ما تقدم ذكره وهو القتل العمد، والانتقام أيضا يناسب العمد لا الخطأ ٥٧٥ قال جمهور الفقهاء: يلزمه الضمان سواء قتل عمدا أو خطأ قياسا على سائر محظورات الإحرام كحلق الرأس وغيره وكما في ضمان مال المسلم، فإنه لما ثبتت الحرمة لحق المالك لم يختلف ذلك بكونه عمدا أو لا. وإنما وردت الآية بالتعمد لأن العمد أصل والخطأ ملحق به للتغليظ، ولما روي أنه عنّ لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله فقيل له:

إنك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت الآية على وفق القصة. وعن الزهري نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ.

قال صلى الله عليه وسلم «في الضبع كبش إذا قتله المحرم» «١»

وقالت الصحابة: في الظبي شاة. أطلقوا الضمان من غير فرق بين العمد والخطأ. ثم العلماء اختلفوا في المثل فقال الشافعي ومحمد بن الحسن: الصيد ضربان: منه ما له مثل ومنه ما لا مثل له فيضمن بالقيمة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: المثل الواجب هو القيمة قياسا على ما لا مثل له. حجة الشافعي قوله تعالى مِنَ النَّعَمِ فإنه بيان للمثل وكذا قوله هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم في الضبع بكبش.

وعن علي وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وابن عمر أنهم حكموا في أمكنة مختلفة وأزمان متعدّدة في جزاء الصيد بالمثل من النعم. فحكموا في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش ببقرة، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الظبي بشاة، وفي الأرنب بحمل- وفي رواية بعناق- وفي الضب بسخلة، وفي اليربوع بجفرة، وفي الحمام بشاة، ويعني به كل ما عب وهدر كالقمري والدبسي الفاختة. والعب شرب الماء مرة، والهدير ترجيعه صوته وتغريده. وفيه دليل على أنهم نظروا إلى أقرب الأشياء شبها بالصيد من النعم، ولو نظروا إلى القيمة لاختلف باختلاف الأسعار. والظبي الذكر من هذا الجنس والغزال أنثاه، والجفرة من أولاد المعز إذا انفصلت من أمها، والعناق الأنثى من أولاد المعز. وأيضا المقصود من الضمان جبر الهلاك فكلما كانت المماثلة أتم كان الجبر أكمل.

(وهاهنا مسائل) الأولى: جماعة محرومون قتلوا صيدا. فالشافعي وأحمد وإسحق: لا


(١) رواه ابن ماجة في كتاب المناسك باب ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>