للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودفع الألف إلى أولياء الميت ذلِكَ الحكم الذي شرعناه والطريق الذي نهجناه أقرب إلى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أي كما هو في الواقع أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ في مثل هذه القضية أَيْمانٌ على الورثة بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وهذا تفسير من يرى ردّ اليمين، وأما من لا يرى ذلك فالمعنى عنده أن تكرّ أيمان شهود آخرين لانقلاب المدعى عليه مدعيا وعلى التقديرين يظهر كذبهم. والحاصل أن هذا الحكم يصير باعثا للشهود على أداء حق الشهادة للداعي أو الصارف وَاتَّقُوا اللَّهَ في الأيمان وَاسْمَعُوا مواعظه سماع قبول وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن مناهج شرائعه وأحكامه وفيه من الوعيد ما فيه. قال المفسرون: هذه الآية في غاية الصعوبة إعرابا ونظما وحكما. وروى الواحدي في البسيط عن عمر بن الخطاب أن هذه الاية أعضل ما في هذه السورة من الأحكام، ولهذا ذهب أكثر الفقهاء إلى أن حكم هذه الآية منسوخ.

ثم إنه سبحانه ختم الأحكام بوصف أحوال القيامة وذكر بعض ما سيجري هناك من الخطاب والعتاب جريا على عادته في هذا الكتاب من خلط التكاليف بالإلهيات والنبوّات وأحوال المعاد فقال يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ قال الزجاج: تقديره واتقوا الله يوم كذا لا على أنه ظرف لأنهم غير مأمورين بالتقوى في ذلك اليوم ولكن على أنه بدل اشتمال من اسم الله، ويجوز أن يكون ظرفا لقوله لا يَهْدِي أي لا يهديهم طريق الجنة يومئذ، أو منصوبا بإضمار «اذكر» ، أو ظرفا لما يجيء بعده وهو قالُوا وعلى هذين الوجهين تكون الآية منقطعة عما قبلها. و «ماذا» منصوب ب أُجِبْتُمْ ولكن انتصاب المصدر على معنى أيّ إجابة أجبتم، ولو أريد الجواب لقيل: بماذا أجبتم. وفائدة السؤال توبيخ قومهم كما كان سؤال الموؤدة توبيخا للوائد. ثم ظاهر قوله لا عِلْمَ لَنا يدل على أن الأنبياء لا يشهدون لأممهم، فالجمع بين هذا وبين قوله فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: ٤١] الآية مشكل. فقال جمع من المفسرين: إن للقيامة زلازل وأهوالا تزيل العقول فالأنبياء عندها ينسون أكثر الأمور فهنالك يقولون: لا علم لنا، فإذا عادت إليهم عقولهم شهدوا للأمم. ولا يرد عليه قوله لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: ٣١] أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: ٦٢] لأن مواقف القيامة مختلفة، ولأن عدم الخوف في العاقبة لا ينافي الحيرة والدهشة أوّلا. وقال آخرون المراد منه المبالغة في توبيخ الكفرة فإن ذلك هو المقصود من السؤال كما يقول الواحد لغيره: ما تقول في فلان؟

فيقول: أنت أعلم به مني فكأنك قلت: لا يحتاج فيه إلى الشهادة لظهوره. وفيه مع التوبيخ إظهار لتشكي الأنبياء ممن كذبوهم وعادوهم. وقال ابن عباس: نفوا العلم عن أنفسهم عند علام الغيوب ليعلم أن علمهم هناك كلا علم. وقيل: المراد نفي العلم بخاتمة أحوالهم وما

<<  <  ج: ص:  >  >>