من الروحانيات، أَوْ آخَرانِ من غير الروحانيات هما الوهم والخيال من النفسانيات.
فالعقل والسر يشهدان الحق وإن كان على ذي قرابة من الروحانيات، والوهم والخيال شهادتهما الصدق والكذب. إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي سافرتم في السفليات فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ أي فتصيب النفس جذبة الحق فتموت تَحْبِسُونَهُما إن كنتم في بعد من الروحانيات مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ من بعد حضورهما مع الله وتوجيههما إلى الحق ومراقبة تامة، فيشدد على الشاهدين بالقسم والتخويف بالله أن يؤديا شهادة الحق ويدفعا تركة النفس وهي صفاتها إلى ورثتها وهم القلب وصفاته، ولا يصرفانها في شيء من السفليات فإن كل خلق إذا استعملته النفس كان صفة ذميمة، فإذا استعمله القلب صار وصفا محمودا كالحرص إذا استعملته النفس في طلب الدنيا ولذتها كان وصفا مذموما، وإذا استعمله القلب في طلب العلوم والكمالات صار ممدوحا. فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً بأن مالا إلى حظ من الحظوظ السفلية فَآخَرانِ من صفات القلب هما: التذكر والفكر الصائب ينظران في عواقب الأمور ويشهدان على أن الآخرة خير من الدنيا والباقي خير من الفاني لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما لأن الوهم والخيال مالا إلى الحظوظ بكتمان الحقوق، والتذكر والتفكر مالا إلى حفظ الحقوق بترك الحظوظ. أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أي العقل والسر يأتيان في بدو الأمر باستعمال صفات النفس في السعادات الأخروية، أو يخافان عواقب الأمور بأن يشددوا على أنفسهم بالاستمهال وتضييع الأعمال وإفساد الاستعداد، ثم بالتفكر والتذكر يردّ الأمر إلى وجوب رعاية الحقوق فيحتاجان إلى كثرة الرياضة. ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا وهم مستغرقون في بحر الشهود. لا عِلْمَ لَنا اي ببواطن الأمور وحقائقها. وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أي في عالم الأرواح يوم الميثاق قالوا بسبب ذلك التعارف في عالم الأشباح آمنا. إن بعض الحواريين المقلدين في الإيمان قالوا يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ فما راعوا الأدب مع نبيهم حيث لم يقولوا يا رسول الله أو يا روح الله، ولا مع ربهم حيث تشككوا في كمال قدرته. ثم أظهروا دناءة همتهم حيث طلبوا بواسطة مثل عيسى من واهب المواهب مائدة جسمانية لا فائدة روحانية فقال عيسى اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً الأسرار والحقائق من سماء العناية عليها أطعمة الهداية تَكُونُ لَنا أي لأهل الحق والصدق عِيداً نفرح بها لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا أي لأول أنفاسنا وآخرها فإن أهل الحق يراقبون الأنفاس لتصعد مع الله وتهوي مع الله وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لأن الذي ترزق رزق منك والذي يرزق ظاهرا من غيرك فهو أيضا منك بالواسطة، وما بالذات خير مما بالواسطة. فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ بأن لا يقوم بحقها ويجعلها شبكة يصطاد بها الدنيا فإني أرده من المراتب الروحانية إلى المهالك الحيوانية وهو المسخ