الآية. والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما آتينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال وأسباب الدنيا. الثاني: إرسال السماء عليهم مدرارا يعني الغيث أو السحاب أو الخضراء، لأن المطر ينزل من ذلك الصوب والمدرار كثير الدرّ درّ اللين إذا أقبل على الحالب منه شيء كثير. ومدرارا نعت المطر ويقال أيضا سحاب مدرارا إذا تتابع أمطاره. ومفعال من أبنية المبالغة يستوي فيه المذكر والمؤنث. الثالث وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ أي من تحت أمكنتهم والمراد أنهم أصحاب البساتين والقصور والمنتزهات. فإن قيل: الهلاك غير مختص بهم وإنما يجري ذلك على الأنبياء والمؤمنين أيضا، قلنا: لدفع هذا الإشكال كرر فقال فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فإن الإهلاك بسبب المعاصي والآثام لا يكون إلا بالعذاب والإيلام. ثم نبه بقوله وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ على كمال عزته واستغنائه ونهاية قدرته واستعلائه كقوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر: ١٦] فالبلاد بلاده والعباد عباده بيده التخريب والتعمير وإليه الإعدام والإيجاد. ثم ان الذين يتمردون عن قبول دعوة الأنبياء طوائف متعددة. منهم من بالغ في حب الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها على وفق هواه ومناه لا على قانون الخير والعدل فمنعه ذلك عن التزام التكاليف وهو المذكور في الآية، وفيه أن لذات الدنيا ذاهبة وعذاب الكفر باق، وليس من العقل تحمل العقاب الدائم لأجل اللذات الفانية. ومنهم من حملته العصبية والعناد على تكذيب معجزات الأنبياء وجعلها من قبيل السخر الذي لا أصل له وهم الذين عنوا بقوله وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ والمعنى أنه لو نزل الكتاب جملة واحدة في صحيفة واحدة فرأوه ولمسوه وشاهدوه عيانا لطعنوا فيه وقالوا إنه سحر. وهاهنا سؤال وهو أن نزول الكتاب من السماء جملة إن لم يكن من باب المعجزات لم يكن إنكاره منكرا، وإن كان من قبيل الإعجاز فالملك يقدر على إنزاله من السماء وقبل الإيمان بصدق الرسل لم تكن عصمة الملائكة معلومة، وحينئذ يجوز أن يكون نزول ذلك من قبل بعض الجن والشياطين، أو من بعض الملائكة الذين لم تثبت عصمتهم فلا يكون دليلا على الصدق. وأجيب بأن المقصود من الآية ليس بيان الإعجاز، ولكن المراد أنهم إذا لمسوه بأيديهم يقوى الإدراك البصري بالإدراك اللمسي وبلغ الغاية في القوة والظهور. ثم إن هؤلاء يبقون شاكين في أن ذلك الذي رأوه ولمسوه هل هو موجود أم لا، وذلك يدل على أنهم بلغوا في الجهالة إلى حد السفسطة. قال القاضي: في الآية دليل على وجوب اللطف لأنه بيّن أنه إنما لم ينزل هذا الكتاب من حيث إنه لو أنزله لقالوا هذا القول فيفهم منه أنهم لو قبلوه وآمنوا به لأنزله لا محالة، وزيف بأن المفهوم ليس بحجة، ولو سلم فوقوع اللطف لا يدل على وجوبه. ومن الكفرة من قابل النبوات بإيراد الشبهات والاقتراحات. قال الكلبي: إن مشركي مكة قالوا: