للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بيّن أنه كيف يعود الضرر إليهم فقال وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ وجواب «لو» محذوف أي لرأيت سوء منقلبهم ونحو ذلك. وجاز حذفه للعلم به ولما في الحذف من تفخيم الشأن وهو ذهاب الوهم كل مذهب كما لو قلت لغلامك: والله لئن قمت إليك وسكت عن الجواب. ذهب فكره إلى أنواع المكاره من الضرب والقتل وغيرهما بخلاف ما لو قلت: لأضربنك. ولمثل هذا من إرادة المبالغة قال وُقِفُوا بلفظ الماضي مع «إذا» الدال على المضي كأن هذا الأمر وقع وتحقق فكان من حقه أن يخبر عنه بلفظ الماضي أي وقفوا على أن يدخلوا النار وهم يعاينونها، أو وقفوا عليها وهي تحتهم، أو هو من قولهم:

وقفت على المسألة الفلانية وقوفا أي عرفوا حقيقتها تعريفا أو المراد أنهم في جوف النار غائصين فيها فتكون «على» بمعنى «في» وجاز لأن النار دركات بعضها فوق بعض فلا يخلو من معنى الاستعلاء يا لَيْتَنا نُرَدُّ هو داخل في حكم التمني. أما قوله وَلا نُكَذِّبَ وَنَكُونَ فمن قرأ بالنصب فيهما فبإضمار «أن» على جواب التمني والمعنى إن رددنا إلى دار التكليف لم نكذب ونكن من المؤمنين. ومن قرأ بالرفع فيهما فوجهان: أحدهما أن التمني يتم عند قوله نُرَدُّ ثم ابتدءوا وَلا نُكَذِّبَ وَنَكُونَ أي ونحن لا نكذب ونكون كأنهم ضمنوا أن لا يكذبوا ويكونوا من المؤمنين سواء حصل الرد أو لم يحصل. وشبهه سيبويه بقولهم: دعني ولا أعود بمعنى دعني وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني. وثانيهما أن يكونا معطوفين على نُرَدُّ أو حالين على معنى يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين فيدخل المجموع تحت حكم التمني. وأورد على هذا الوجه أن المتمني لا يكون كاذبا وقد قال تعالى وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وأجيب بأن هذا التمني قد تضمن معنى الوعد فجاز أن يتعلق به التكذيب كقول القائل: ليت الله يرزقني مالا فأحسن إليك فهذا متمن في حكم الواعد فلو رزق مالا ولم يحسن إلى صاحبه كذب لأنه كأنه قال: إن رزقني الله مالا أحسنت إليك. وأما قراءة ابن عامر فمعناه إن رددنا غير مكذبين نكن من المؤمنين ثم رد الله تعالى عليهم بأنهم ما تمنوا العود إلى الدنيا وترك التكذيب وتحصيل الإيمان لأجل كونهم راغبين في الإيمان بل لأجل خوفهم من العذاب الذي شاهدوه وعاينوه فقال بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وما الذي كانوا يخفونه في الدنيا. قال أكثر المفسرين: إن المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: ٢٣] فينطق الله تعالى جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر فذلك معنى بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وقال المبرد: بدا لهم وبال عقائدهم وأعمالهم وسوء عاقبتها، وذلك أن كفرهم ما كان ظاهرا لهم وإنما ظهر لهم يوم القيامة. وقال الزجاج: بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء منهم من أمر البعث والنشور بدليل قوله بعد ذلك وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وهذا قول

<<  <  ج: ص:  >  >>